للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

إعراب آخر، وهذا أوضح. انتهى (١).

والمعنى: ليس أحدٌ أحبّ إليه الإعذار من الله تعالى، فالعُذر هنا بمعنى الإعذار، والإنذار قبل أخذهم بالعقوبة، ولهذا بعث المرسلين، كما أوضحه بقوله: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ) أي: لأجل إقامة العذر (بَعَثَ اللهُ) أي: أرسل (الْمُرْسَلِينَ) حال كونهم (مُبَشَرِينَ) أي: يُبشّرون من آمن بالله، واتّبع هداه (وَمُنْذِرِينَ) أي: مخوّفين بالعذاب من كفر بالله، واتّبع هواه، وإليه الإشارة بقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥].

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين" ذلك إشارة إلى العذر، ومعناه: الإعذار للمكلفين، قال بعض أهل المعاني: إنما قال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا أحد أغير من الله، ولا أحد أحبُّ إليه العذر من الله" منبِّهًا لسعدٍ، ورادعًا له عن الإقدام على قتل من وَجَدَه مع امرأته، فكأنه قال: إذا كان الله مع شدّة غيرته يُحبُّ الإعذار، ولم يؤاخذ أحدًا إلَّا بعد إنهاء الإعذار، فكيف تُقْدِم على قتل من وجدته على تلك الحال؟! والله أعلم. انتهى (٢).

(وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللهِ) "الْمِدحة" بكسر الميم: هي المدح بفتحها، وهو الثناء بذكر أوصاف الكمال والإفضال، فإذا ثبتت الهاء كُسرت الميم، وإذا حُذفت فُتحت، وقوله: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الْجَنَّةَ") معناه: لأجل محبته مَدْحَ عباده له وعدهم الجنّة، ورغّبهم فيها، حتى كثُر سؤالهم إياها، وثناؤهم عليه، وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: معنى"من أجل ذلك وعد الجنّة": أنه لَمَّا وعدها، ورَغَّب فيها، كثُر سؤال العباد إياها، والثناء عليه. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "من أجل ذلك وعد الله الجَنَّة" أي: من سبب حُبِّه للمدح وَعَدَ عليه بالجنَّة، وذِكْرُه المدح مقرونًا مع ذكر الغَيْرة والإعذار تنبيهٌ لسعدٍ على ألا يُعْمِل غيرته، ولا يَعْجَل بمقتضاها، بل يتأنى، ويترفق، ويتثبت؛


(١) "المفهم" ٤/ ٣٠٥.
(٢) "المفهم" ٤/ ٣٠٦.
(٣) "شرح النوويّ" ١٠/ ١٣٢.