حتى يحصل على وجه الصواب من ذلك، وعلى كمال الثناء والمدح بالتأني، والرفق، والصبر، وإيثار الحقّ، وقمع النفس عند هَيَجَانها، وغلبتها عند منازلتها، وهذا نحو من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس الشديد بالصُّرَعَة، إنما الشديد الذي يَملك نفسه عند الغضب"، والله أعلم. انتهى (١).
وقال الكلاباذيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويجوز أن يكون معنى قوله: "لا شخص أغير من الله"؛ أي: لا ينبغي لشخص أن يكون أغير من الله، فمعناه؛ أي: لا يكون العباد الذين هم أشخاص أغير من الله الذي ليس بشخص؛ لأن الله تعالى لا يوصف بالشخص، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، ويجوز أن يكون معناه كأنه يقول: ليس من حقّ من يترفّع، ويعظم قدره، ويشرف مرتبته أن يكون لشرفه في الرتبة، وعظم قدره، وترفعه على غيره، وأن يكون أغير من الله تعالى، والله تعالى جليل عظيم، رفيع المكان، وهو على جلالته وكبريائه، وشدته شدة غيرته، يُمهل عباده في مواقعتهم الفواحش، ولا يعاجلهم بالعقوبة عليها، فلا ينبغي لعبد أن يرتفع عن الإمهال، وترك معاجلة العقوبة لغيرته، فيقتل من يواقع الفاحشة، ويأتيها، ولكن يُمْهِل إلى أن تطلق عنه الأمر من الله تعالى في قتله، فإن أطلق الأمر، وإلا مَهُل وتربص، وإن كان شديد الغيرة، وذلك أن سعدًا كان سيد قومه، وشريف قبيلته الخزرج، وسيدها، ورفيع القدر فيها، وجليل الخطر عندها، ومن كان كذلك، فهو أقدر على معاجلة العقوبة، إذ يكاد يخاف تبعتها، والشخص ما ارتفع، ونما، وتزايد، فكأنه يقول: من كان رفعته، وشرفه، وجلالة قدره بالنمو، والتزايد، والارتفاع من حالة الانخفاض، فلا ينبغي أن يجاوز الحدّ الذي حُدّ له، والوقت الذي يجوز له أن يواقع بالعقوبة مواقع الفاحشة، فإن الله أجلّ وأعظم، وأعلى جلالته، وعظمته، وعلوّه، لَمْ يزل، ولا يزال، وغيرته أشد، وهو مع هذا يمهل مُواقِع الفاحشة، ولا يعاجله، فالشخص أولى بترك معاجلة العقوبة، والدليل على هذا التأويل رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - يعني المذكور قبل حديث المغيرة - ثم أورده، ثم قال: فدل هذا الحديث على أنه أراد معاجلة العقوبة قبل وقتها لغيرته، ولم يخف التبعة فيها