لشرفه في قومه، فكأن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر أنه أغير من سعد، وأشرف، وأبلغ سؤددًا منه، وهو ينتهي إلى الحد في الغيرة، فلا يعاجل بالعقوبة مُواقع الفاحشة قبل وقتها، والله أغير مني وأعلى وأجل، وهو لا يعاجل بالعقوبة، والشخص الذي شرفه وسؤدده من جهة الشخص بالنمو والازدياد لَإلزامه أحق وأولي، ثم الأشخاص وهم المترفعون الأشراف يحبون أن يُعْذَروا من أفعالهم التي يجوز أن يلاموا عليها، فربما يفعلون الفعل الذي يلزمهم اللوم عليه، وهم يحبون أن يُعذروا إلى الناس في أفعالهم لإزالة اللوم عنهم، والتعيير لهم، والنكير ممن فوقهم عليهم، فالله تعالى في جلاله، وعظمته، وكبريائه، وقهره لخلقه يبدي العذر فيما يفعل بخلقه من عدو يهلكه، أو ولي يبليه، فقال في أعدائه:{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[النحل: ٣٣]، وقال: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦)} [الزخرف: ٧٦]، وقال:{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ}[الأنعام: ١٤٦]، وأشباهه كثير، وقال في أوليائه:{ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} الآية [آل عمران: ١٥٢]، وقال تعالى:{وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي}[آل عمران: ١٩٥]، {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[آل عمران: ١٦٩]، وقال:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[النور: ١١]، {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}[آل عمران: ١٦٦]، فهو جَلَّ جلاله وعزّ يبدي هذه الأعذار في فعله، وقد بعث الأنبياء {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥]، ولئلا يقولوا يوم القيامة:{إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}[الأعراف: ١٧٢]، {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ}[الأنعام: ١٥٧]، وأمثالها كثيرة، فأبدى هذه الأعذار إلى خلقه، وأحب إبداء العذر في فعله مع غناه عن ذلك، إذ لا يلزمه تعالى في فعله لوم، ولا يلحقه تغير، ولا من غيره عليه نكير، ولا حد له فيجاوزه، وهو يفعل ما يفعل في ملكه، وهو حكيم عالم قادر، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا يُسال عما يفعل وهم يُسألون وهو تعالى يحب العذر فضلًا منه وكرمًا، وإجلالًا لعذر أوليائه وبرًا بهم، ولطفًا بهم أكثر من محبة الأجلة والأشراف الذين هم أشخاص معلولون، وعباد مربوبون، وهو الجليل العظيم الرب الكريم.
قال: ويجوز أن يكون معناه: أنه يحب العذر من عباده إليه، وهو أن