(وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) قال النوويّ: معناه: أنه يُعْرِض عنهم، ونظره - سبحانه وتعالى - لعباده رحمته، ولطفه بهم. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تفسيره النظر بالرحمة واللطف غير صحيح، بل النظر على ظاهره ثابتٌ لله - سبحانه وتعالى -، كما ثبت اللطف والرحمة، فتنبّه، ولا تكن أسير التقليد.
وقال في "الفتح": معنى: "لا ينظر الله إليهم": أي لا يرحمهم، فالنظر إذا أُضيف إلى الله تعالى كان مجازًا، وإذا أُضيف إلى المخلوق كان كنايةً، ويحتمل أن يكون المراد: لا ينظر الله إليهم نظرَ رحمةٍ.
قال: وقال شيخنا - يعني: الحافظ العراقيّ - في "شرح الترمذيّ": عَبَّرَ عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر؛ لأن مَن نَظَر إلى متواضع رَحِمَه، ومَن نَظَر إلى مُتَكَبِّر مَقَته، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر.
وقال الكرمانيّ: نسبة النظر من يجوز عليه النظر كنايةٌ؛ لأن مَن اعتَدَّ بالشخص التفتَ إليه، ثم كَثُر حتى صار عِبارةً عن الإحسان، وإن لم يكن هناك نظر، ولمن لا يجوز عليه حقيقةُ النظر، وهو تقليب الحدقة، والله مُنَزَّه عن ذلك، فهو بمعنى الإحسان، مجازًا عما وقع في حق غيره كنايةً.
قال: ويؤيد ما ذُكِر من حمل النظر على الرحمة، أو المقت، ما أخرجه الطبرانيّ، وأصله في "سنن أبي داود"، من حديث أبي جُرَيّ:"إن رجلًا ممن كان قبلكم، لَبِسَ بُرْدةً، فَتَبَخْتر فيها، فنظر الله إليه فمقته، فأمر الأرض فأخذته … " الحديث. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ذكروه من نفي نظر الله - سبحانه وتعالى - حقيقةً، وأنه ليس له نظرٌ، وإنما هو مجاز عن الرحمة غير صحيح، وإنما حَمَلهم على ذلك أنهم ظنّوا أن النظر لا معنى له إلا تقليب الحدقة، وهذا خطأٌ؛ لأن هذا معنى النظر المضاف إلى المخلوقين، وأما نظر الخالق، فهو نظر يليق بجلاله - سبحانه وتعالى -، لا نعلم كيفيّته، كما لا نعلم حقيقة ذاته العليّة؛ لأن الصفة فرع عن الذات.