للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالحقّ أن النظر ثابتٌ لله تعالى حقيقةً، لا مجازًا، وأما تفسير نظره هنا بأنه نظر رحمة وإحسان، فلا يتنافى مع تفسيرنا المذكور؛ لأن هذا بيان للمقصود هنا بقرينة الأدلّة الأخرى؛ لأن نظر الله تعالى محيط بجميع مخلوقاته، لا يخفى عليه شيء، فكان المراد هنا نظرًا خاصًّا، وهو الذي يكون لأوليائه تعالى، وهو نظر الرحمة واللطف والإحسان، والفرق بين إثبات النظر، وكون المراد نظرًا خاصًّا، وهو نظر الرحمة وبين نفي النظر، وكونه بمعنى الرحمة واضحٌ، لا يخفى من تأمّله بالإنصاف، ولم يسلك سبيل التقليد والاعتساف.

وأما الحديث الذي ذكره صاحب "الفتح" عن الطبرانيّ، وادّعَى أنه يؤيّد ما ذُكر من حَمْل النظر على الرحمة، أو المقت، فليس كما ادّعاه، بل هو موضّحٌ لما قلناه، فإنه أثبت أوّلًا النظر لله - سبحانه وتعالى -، ثم رتّب المقتَ عليه بالفاء التعقيبية، فقال: "فمقته، فأمر الأرض … إلخ"، فإن هذا واضحٌ في إثبات النظر لله تعالى، وهو الذي قلناه، وقد أوضحت المسألة في غير هذا المحلّ من "شرح النسائيّ"، وغيره، فتأمله بالإنصاف، ولا تسلك مسلك التقليد والاعتساف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(وَلَا يُزَكِّيهِمْ) أي لا يُطَهِّرهم من دنس ذنوبهم؛ لِعِظَم جُرْمهم؛ وقال الزجاج وغيره: معناه: لا يُثْنِي عليهم خيرأ، ومن لم يُثْنِ عليه خيرًا عذّبه (١).

(وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ") أي شديد الألم الموجِعُ، قال الواحديّ: هو العذاب الذي يَخْلُص إلى قلوبهم وَجَعُهُ، قال: والعذابُ كلُّ ما يُعْيِي الإنسان، وَيشُقُّ عليه، قال: وأصل العذاب في كلام العرب مِنَ الْعَذْب، وهو المنع، يقال عَذَبْتُهُ عَذْبًا: إذا منعته، وعَذَبَ عُذُوبًا: أي امتنع، وسُمِّي الماء عَذْبًا؛ لأنه يمنع الْعَطَش، فسُمِّيَ العذاب عذابًا؛ لأنه يَمْنَع الْمُعَاقَبَ من مُعاودة مثل جُرْمه، ويمنع غيره من مثل فعله. انتهى (٢).

وقال الراغب الأصفهانيّ في "مفرداته": اختُلِف في أصل العذاب، فقال بعضهم: هو من قولهم: عَذَبَ الرجلُ: إذا ترك المأكل والنوم، فهو عاذبٌ، وعَذُوب، فالتعذيب في الأصل: حملُ الإنسان أن يَعْذِب: أي يَجُوعَ وَيسْهَرَ،


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٤٥٥.
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ١١٦.