للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقيل: أصله من الْعَذْبِ، فعذّبتُهُ: أي أزلتُ عَذْبَ حياته على بناء مرَّضْتُهُ، وقَذَّيتُهُ، وقيل: أصل التعذيب إكثار الضرب بعَذَبَةِ السوط: أي طَرَفها، وقد قال بعض أهل اللغة: التعذيب هو الضرب، وقيل: هو من قولهم: ماءٌ عَذْبٌ: إذا كان فيه قَذًى وكَدَرٌ، فيكون عذّبتُهُ كقولك: كدّرت عيشه، وزَلَّقتُ حياته، وعَذَبَةُ السوط واللسان والشجر: أطرافها. انتهى (١).

وقال الفيّوميّ: عَذَبته تعذيبًا: عاقبته، والاسم: الْعَذَابُ، وأصله في كلام العرب: الضربُ، ثم استُعْمِل في كلِّ عقوبة مُؤْلمةٍ، واستُعِير للأمور الشاقّة، فقيل: السفر قطعة من العذاب، وعَذبَةُ اللسان: طَرَفُهُ، والجمع عَذَبات، مثلُ قَصَبَةٍ وقَصَبَات، ويقال: لا يكون النطقُ إلا بعَذَبَة اللسان، وعَذَبَةُ السَّوْطِ: طَرَفُهُ، وعَذَبَةُ الشجر: غُصْنُهَا، وعَذَبَةُ الميزان: الخَيْطُ الذي تُرْفَعُ به. انتهى (٢).

(قَالَ) أبو ذرّ - رضي الله عنه - (فَقَرَأَهَا) أي هذه الْجُمَل المذكورة (رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَ مِرَارًا) يعني: أنه - صلى الله عليه وسلم - كرّر هذا الحديث الذي هو بمعنى الآية الكريمة ثلاث مرّات تأكيدًا للأمر (قَالَ أَبُو ذَرٍّ) - رضي الله عنه - (خَابُوا) أي لم يظفروا بمرادهم، والكلام يحتمل أن يكون دعاءً عليهم بالخيبة، وأن يكون إخبارًا بخيبتهم، يقال: يَخِيب خيبةً: إذا لم يظفر بما طَلَبَ، وخيّبه الله تعالى - بالتشديد -: جعله خائبًا، أفاده الفيّوميّ (٣) (وَحسِرُوا) أي هَلَكُوا، والكلام عليه كسابقه، ووقع عند النسائيّ: "فقال أبو ذرّ: خابوا وخسروا، خابوا وخسروا"، مكرّرًا (مَنْ) استفهاميّةٌ (هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟) أي من هؤلاء الذين وُصفوا بهذه الأوصاف الْمُخْزِية، والبلايا المحزنة؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - " (الْمُسْبِلُ) خبر لمحذوف: أي أحدهم: "المسبل"، اسم فاعل من الإسبال، وهو إرخاء الإزار عن الحدّ الذي ينبغي الوقوف عنده.

يعني: أنّ أحد الثلاثة الذين لهم هذا الوعيد الشديد: هو الرجل الذي يُرخِي إزاره، ويجرّ طَرَفه خُيَلاءً، كما جاء مفسّرًا في حديث ابن عمر رضي الله


(١) "مفردات ألفاظ القرآن" ص ٥٥٥.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٣٩٨.
(٣) "المصباح المنير" ١٨٥.