وقال في "الفتح": فيه أن العدّ في الدراهم الصحاح المعلومة الوزن يكفي عن الوزن، وأن المعاملة في ذلك الوقت كانت بالأواقي، وهي أربعون درهمًا، كما سبق آنفًا، وزعم المحبّ الطبريّ أن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالعدّ إلى مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ثم أُمروا بالوزن، وفيه نظر؛ لأن قصّة بريرة متأخّرة عن مقدمه - صلى الله عليه وسلم - بنحو ثمان سنين، لكن يَحْتَمِل قول عائشة - رضي الله عنها -: "أن أعدّها لهم عدّة واحدة"؛ أي: أدفعها لهم، وليس مرادها حقيقة العدّ، ويؤيّده قولها في طريق عمرة:"أن أصُبّ لهم ثمنكِ صبّةً واحدةً". انتهى.
(وَأُعْتِقَك، وَيَكُونَ الْوَلَاءُ لِي فَعَلْتُ) أي: اشتريتك، ثم أعتقتك (فَذَكَرَتْ) بريرة (ذَلِكَ) أي: ما قالت لها عائشة - رضي الله عنها - (لأَهْلِهَا) أي: مواليها (فَأبَوْا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَأتَتْنِي، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ) أي: إباء مواليها ما عرضت عليهم عائشة (قَالَتْ) عائشة (فَانْتَهَرْتُهَا) أي: زجرتها، وقال القرطبيّ: قولها: "فانتهرتها" تعني أنه عَظُم عليها أن تشتريها بمالها لتعتقها، ثم يكون ولاؤها لمن باعها، وأخذ ثمنها، فبأيّ طريق يستحق الولاء؟ ولا طريق له يستحقه به. انتهى.
(فَقَالَتْ: لَا) أي: لا أشتري، ولا أعدّ الدراهم (هَا اللهِ) أي: والله، فـ"ها" عوض عن واو القسم (إِذَا) أي: إذا اشترطوا لهم الولاء.
وقال الأبّيّ في "شرحه": قوله: "فانتهرتها، فقالت" قال عياض: فيه إشكال؛ إذ يوهم أن فاعل "قالت" بريرة، وليس كذلك، وإنما هي عائشة، أخبرت عن نفسها أنها انتهرتها، ثم فسّر الراوي انتهارها إياها بقوله:"فقالت: لا ها الله"، ولذا قال بعضهم: صوابه: "فقلت". انتهى (١).
وقال القرطبيّ: قوله: "فقالت: لا ها الله إذًا" كذا لأكثر الرواة: "فقالت"، وظاهره أن هذا قول بريرة أجابت به عائشة لَمّا انتهرتها مستلطفة لها، ومُسكّنة، فكأنها قالت: فإذا كان ذلك، تعني: موجدة عائشة، فلا أستعينك على شيء، وَيحْتَمِل أن يكون الراوي أخبر به عن عائشة، ويؤيده ما قد وقع في بعض النسخ:"فقلت" مكان "قالت"، وعلى هذا: فيكون من قول عائشة،