ويكون معناه: أن أهل بريرة لما أبوا إلا اشتراط الولاء لهم امتنعت من الشراء والعتق؛ لأجل الشرط، وأقسمت على ذلك بقولها:"لا، ها الله إذًا".
والرواية المشهورة في هذا اللفظ:"هاء" بالمد والهمز، و"إذًا" بالهمز والتنوين التي هي حرف جواب، وقد قيّده العذري، والهوزني بقصرها، وبإسقاط الألف من "إذًا"، فيكون:"ذا"، واستصوب ذلك جماعة من العلماء، منهم: القاضي إسماعيل، والمازري، وغيرهما. قالوا: وغيره خطأ، قالوا: ومعناه: ذا يميني. وصوَّب أبو زيد وغيره المدّ والقصر، قال: و"ذا" صلة في الكلام، وليس في كلامهم:"لا ها الله إذًا"، وفي "البارع"(١): قال أبو حاتم: يقال: "لا ها الله ذا" في القسم، والعرب تقوله بالهمز، والقياس تَرْكُه، والمعنى: لا والله، هذا ما أقسم به، فأدخل اسم الله بين "ها"، و"ذا". انتهى كلامهم.
قال القرطبيّ: ويظهر لي: أن الرواية المشهورة صوابٌ، وليست بخطأ، ووجه ذلك: أن هذا الكلام قسم على جواب إحداهما للأخرى على ما قررناه آنفًا، والهاء هنا: هي التي يعوَّض بها عن تاء القسم، فإن العرب تقول: الله لأفعلنَّ - ممدودة الهمزة، ومقصورتها -، ثم إنهم عوَّضوا من الهمزة "ها"، فقالوا: ها الله؛ لتقارب مخرجيهما، كما قد أبدلوها منها في قولهم [من الطويل]:
ألا يا سَنَا بَرْقٍ على قُلَلِ الحِمَى … لِهَنَّك مِنْ بَرْقٍ عليَّ كريم
ولَمَّا كانت الهاءُ بدلًا من الهمزة، وفيها المدُّ والقصر، فالهاء تمدُّ وتقصر، كما قد حكاها أبو زيد، وتحقيقه أن الذي مَدَّ مع الهاء كأنَّه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفًا استثقالًا لاجتماعهما، كما تقول: الله، والذي قصر كأنَّه نطق بهمزةٍ واحدةٍ، فلم يحتج إلى المدّ، كما تقول: الله.
(١) "البارع في غريب الحديث" لأبي عليّ إسماعيل بن القاسم اللغويّ التالي، المتوفَّى سنة (٣٥٦ هـ).