للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما "إذا" فهي بلا شك حرف جواب، وتعليل، وهي مثل التي وقعت في قوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: "أينقص الرطب إذا يبس؟ "، فقالوا: نعم، قال: "فلا إذًا"، فلو قال: فلا والله إذًا، لكان مساويًا لهذه من كل وجهٍ، لكنَّه لم يحتج إلى القسم، فلم يذكره، وقد بيَّنَّا تقدير المعنى، ومناسبته، واستقامته معنى ووضعًا من غير حاجة إلى ما تكلَّفه من سبقت حكاية كلامه من النحويين من التقدير البعيد المخرج للكلام عن البلاغة، وأبعدُ من هذا كلِّه وأفسد: أن جعلوا "ها" للتنبيه و"ذا" للإشارة، وفصلوا بينهما بالمقسم به، وهذا ليس قياسًا فيطردَ، ولا فصيحًا فيحمل عليه كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا مرويًا برواية ثابتة، وما وُجد للعذري من ذلك فإصلاح منه، أو من غيره، ممن اغترّ بما حُكي عمَّن سبق ذكرهم من اللغويين، والحق أَولى مطلوب، والتمسُّك بالقياس المنقول أجلّ مصحوب، فالصحيح رواية المحدّثين، والله خير معين، والله أعلم.

وقول أبي زيد: ليس في كلامهم: "لا ها الله إذًا" شهادةٌ على نفيٍ، فلا تسمع، ثُمّ نعارضه بنقل أبي حاتم أنه يقال: "لا ها الله"، وليس كل ما يقتضيه القياس نوعًا يجب وجودُ جميع أشخاصه وضعًا. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا.

وقال السيوطيّ - رحمه الله - فيما كتبه على النسائيّ: قد تكلّم الناس قديمًا وحديثًا على هذه اللفظة، وقالوا: إنّ المحدّثين يروونها هكذا، وأنه خطأ، والصواب: لا ها الله ذا، بإسقاط الألف من "ذا"، وقد ألّفتُ في ذلك تأليفًا حسنًا، وأودعته برُمّته في كتاب "إعراب الحديث". انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى الغلط والتصحيف على المحدّثين، مع كثرة وقوعه في الأحاديث؛ اتباعًا لقول بعض النحاة غير صحيح، بل التركيب هذا فصيح، وتوجيهه واضح، كما سبق في كلام القرطبيّ - رحمه الله -،


(١) "المفهم" ٣٢٢ - ٣٢٤.
(٢) "زهر الربى" ٦/ ١٦٤ - ١٦٥، والكتاب الذي أشار إليه هو كتابه "عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد"، راجعه ٢/ ١٨٥.