وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "إنما الولاء لمن أعتق" هذا حصر للولاء على من باشر العتق بنفسه، رجلًا كان، أو امرأةً، ممن يصح منه العتق، وَيستقلّ بتنفيذه، وقُوّة هذا الكلام قُوّة النفي والإيجاب، فكأنه قال: لا ولاء إلا لمن أعتق، وإيَّاه عنى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "شرط الله أوثق"، في أصحِّ الأقوال وأحسنها.
وهو حجة على أبي حنيفة وأصحابه القائلين: بأن من أسلم على يديه رجل فولاؤه له، وبه قال الليث، وربيعة، وعلى إسحاق في حكمه بثبوت الولاء بالالتقاط، وعلى أبي حنيفة في حكمه بثبوت الولاء بالموالاة، ولمن قال: إن من أعتق عبده عن غيره أو عن المسلمين أن ولاءه للمعتِق، وإليه ذهب ابن نافع فيمن أعتق عن المسلمين، ويلزمه فيمن أعتق عن غيره مطلقًا، وخالفه في ذلك مالك، والجمهور، متمسكين بأن مقصود الحديث بيان حكم من أعتق عن نفسه بدليل اتفاق المسلمين على أن الوكيل عن العتق معتِق، ومع ذلك فالولاء للمعتَق عنه إجماعًا، فكذلك حكم من أعتق عن الغير، وتقدّره الشافعية أنه مَلَكَه ثم ناب عنه في العِتْق، وأما أصحابنا - يعني المالكيّة - فإنهم قالوا: لا يحتاج إلى تقدير ذلك؛ لأنه يصح العتق عن الميت، وهو لا يملك، وفيه نظر، فإنه إن لم يُقَدَّر الملك لزم منه هبة الولاء، وقد نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء، وعن هبته، وإن قُدِّر الملك لم يصح العتق عن الميت؛ لأنه لا