للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأصول تفصيلًا فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلًا، كما قد بيَّناه في أصول الفقه.

وعلى هذا فمعنى الحديث: أن ما كان من الشروط مما لم يدلّ على صحته دليل شرعيٌ كان باطلًاح أي: فاسدًا مردّودًا. وهذا كما قاله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو ردٌّ"، متّفق عليه.

وفي هذا من الفقه ما يدلُّ على أن العقود الشرعية إذا قارنها شرط فاسدٌ بطل ذلك الشرط خاصة، وصحَّ العقد، لكن هذا إنما يكون إذا كان ذلك الشرط خارجًا عن أركان العقد؛ كاشتراط الولاء في الكتابة، واشتراط السَّلف في البيع، فلو كان ذلك الشرط مُخِلًّا بركن من أركان العقد، أو مقصودًا؛ فُسخ العقد والشرط، وسيأتي لهذا مزيد بيان في حديث جابر، إن شاء الله تعالى. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١).

(مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَاب اللهِ - عز وجل - فَهُوَ بَاطلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ) أي: ولو شُرط مائة مرّة توكيدًا، فهو بَاطلٌ.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وقوله: "ولو كان مائة شرط" خرج مخرج التكثير؛ يعني: أن الشروط غير المشروعة باطلة ولو كثرت، ويفيد دليل خطابه أن الشروط المشروعة صحيحة، كما قد نصَّ عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "المؤمنون على شروطهم، إلا شرطًا أحل حرامًا، أو حرَّم حلالًا"، خرَّجه الترمذيّ (٢) من حديث عمرو بن عوف، وقال: حديث حسن.

(كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ) مبتدأ وخبره؛ أي: أحقّ بأن يُتّبع من غيره (وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ) أي: أوكد من شرط الناس.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق" أي: حكمُ الله، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر - لَمَّا قال له الخصم: اقض بيننا بكتاب الله تعالى - فقال: "لأقضين بينكما بكتاب الله"، ثم قضى على الزاني البكر بالجلد والتغريب، وعلى الزانية الثيب بالرجم، وليس التغريب والرجم موجودين في كتاب الله تعالى، لكن في حكم الله المسمَّى بالسُّنة، وكذلك


(١) "المفهم" ٤/ ٣٢٦ - ٣٢٧.
(٢) "الجامع" رقم (١٣٥٢).