ثابت، وعائشة، وأم سلمة - رضي الله عنهم -، ومثل هذا لا يقوله الصحابيّ من رأيه، فهو إذا مرفوع.
وأما أقوال السلف؛ فأشبه ما فيها قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ويشهد له ما خرَّجه النسائي أيضًا عن ابن عباس، وعلي - رضي الله عنهم -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قال:"المكاتب يَعتِق منه بقدر ما أدَّى، ويقام عليه الحدّ بقدر ما أدَّى، ويرث بقدر ما عتق منه"، وإسناده صحيح، ويعتضد بما رواه الترمذيّ عن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان عند مكاتب إحداكن ما يؤدِّي فلتحتجب منه". قال: حديث حسن صحيح.
قال القرطبيّ: وظاهره أنَّ هذا خطاب مع زوجاته؛ أخذًا بالاحتياط، والورع في حقهنَّ، كما قال لسودة:"احتجبي منه" مع أنه قد حكم بإخوّتها له، وبقوله لعائشة وحفصة:"أَفَعَمْياوان أنتما؟! ألستما تبصرانه؟ "، يعني: ابن أم مكتوم، مع أنه قد قال لفاطمة بنت قيس:"اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده"، متّفقٌ عليه.
[الثالثة]: حديث بريرة - على اختلاف طرقه، وألفاظه - يتضمن: أن بريرة وقع فيها بيع بعد كتابة تقدَّمت، فاختلف الناس في بيع المكاتب بسبب ذلك.
فمنهم من أجازه إذا رضي المكاتب بالبيع، ولو لم يكن عاجزًا، وهو الذي ارتضاه أبو عمر بن عبد البرّ، وبه قال ابن شهاب، وأبو الزناد، وربيعة، غير أنهم قالوا: لأن رضاه بالبغ عجزٌ منه.
ومنهم من قال: يجوز بيعه على أن يمضي في كتابته؛ فان أدَّى عتق، وكان ولاؤه للذي ابتاعه، ولو عجز فهو عبدٌ له، وبه قال النخعيّ، وعطاء، والليث، وأحمد، وأبو ثور.
ومنهم من منع بيع المكاتب إلا أن يعجز، وبه قال مالك، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وأصحابهم، وأجاز مالك بيع الكتابة، فإن أدَّاها عتق، وإلا كان رقيقًا لمشتري الكتابة. ومنع ذلك أبو حنيفة؛ لأنه بيع غرر، واختَلَف قول الشافعيّ في ذلك بالمنع والإجازة، وكل هذا الخلاف سببه اختلاف فُهومهم في حديث بريرة وقواعد الشريعة، وقد قدمنا: أن الأظهر من الحديث جواز بيع المكاتب للمعتِق، وهو أحسنها؛ لأنه الأظهر من الحديث، والأنسب لقواعد