للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشرع؛ لأن الكتابة عقد عتق على شرط عمل أو مال، وقد يحصل ذلك أو لا يحصل، وبيعه للعتق إسقاط لذلك الشرط، وتنجيز للعتق، والله أعلم.

والولاء للمشتري؛ لأن عقد الكتابة قد انفسخ.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما سبق عن ابن عبد البرّ من جواز بيع المكاتب هو الأرجح؛ لظاهر حديث قصّة بريرة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لمّا أجاز شراءها لم يستفصل شيئًا، ولم يقيّده بشيء، بل أجازه مطلقًا، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

[المسألة الرابعة]: اتفق المسلمون على أن المكاتب إذا حلَّ عليه نجم أو أكثر، فلم يطالبه سيده بذلك، وتركه على حاله؛ أن الكتابة لا تنفسخ ما داما على ذلك، واختلفوا فيما إذا كان العبد قويًّا على السعي والأداء، فقال مالك: ليس له تعجيز نفسه إذا كان له مال ظاهر، وإن لم يظهر له مال كان له ذلك، وقال الأوزاعيّ: لا يُمَكَّن من تعجيز نفسه إذا كان قويًّا على الأداء، وقال الشافعيّ: له أن يعجز نفسه؛ عُلم له مال أو قوة، أو لم يُعلم، وإذا قال: قد عجزت، وأبطلت الكتابة، فذلك إليه.

قال القرطبيّ - رحمه الله -: والصحيح: أن الكتابة لا سبيل إلى إبطال حكمها ما أمكن ذلك؛ لأنها إما أن تكون عقدًا بين السيد وعبده، وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود، وإما وعدًا بالعتق وعهدًا، فقد قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٤]، وإما عتقًا على شرط يمكن تحصيله؛ فيجب الوفاء به؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمنون على شروطهم" (١)، ولأنه لو علَّق عتقه على أجل يأتي، أو على أمرٍ يحصل لزمه العقد، وحصل العتق عند حصول ذلك الشرط، فكذلك عقد الكتابة، ويستثنى من هذا بيعه للعتق، كما بيَّناه، وإذا كان كذلك، فلا يُقْبَل من السيد، ولا من العبد دعوى العجز حتى يتبين بالطرق المعتبرة في ذلك.

[المسألة الخامسة]: إذا عجز العبد وكان السيد قبض منه بعض نجوم الكتابة حلَّ ذلك للسيد، سواء كان ذلك من صدقة على المكاتب أو غيرها،


(١) حديث صحيح، رواه أبو داود (٣٥٩٤)، والترمذيّ (١٣٥٢).