للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويفهم منه أن كل من له الخيار في شيء فتصرف فيه تصرُّف الْمُلاك مختارًا، إنه قد أسقط خياره.

وفيه: جواز تصريح المرأة بكراهة الزوج.

وفيه: ما يدلُّ على أن نفس اختيارها لنفسها كافٍ في وقوع الطلاق؛ إذا لم تصرّح بلفظ طلاق، ولا غيره، لكن حالها دلَّ على ذلك، فاكتفي به، ووقع الطلاق عليها، وحينئذ أمرها أن تعتدَّ عدَّة الحرَّة. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب.

ثم أشارت إلى القضيّة الثالثة، وهي حلّ ما تُصدّق به عليها إذا أهدته للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، بقولها:

(قَالَتْ: وَكَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا) أي: على بريرة (وَتُهْدِي لَنَا) بضمّ أوله، من الإهداء رباعيًّا (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية ربيعة الآتية: "وأُهدي لها لحم، فدخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والْبُرْمة على النار، فدعا بطعام، فأُتي بخبز وأُدْم من أُدْم البيت، فقال: ألم أر بُرْمة على النار، فيها لحمٌ؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، ذلك لحم تُصُدّق به على بريرة، فكرهنا أن نُطعمك منه، فقال: هو عليها صدقة، وهو لنا منها هديةٌ".

وفي رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه الآتية: "وأهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحمٌ، فقالوا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: هذا تُصُدِّق به على بريرة"، قال في "الفتح": ويُجمع بين الروايتين بأنه لَمّا سأل عنه أُتي به، وقيل له ذلك.

ووقع في رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة عند البخاريّ في "الهبة": "فاُهدي لها لحم، فقيل: هذا تُصدّق به على بَرِيرة"، فإن كان الضمير لبريرة، فكأنه أطلق على الصدقة عليها هديّة لها، وإن كان لعائشة فلأن بَريرة لما تصدّقوا عليها باللحم أهدت منه لعائشة، ويؤيّده ما وقع في رواية أسامة بن زيد، عن القاسم عند أحمد، وابن ماجه: "ودخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والْمِرْجل يَفور بلحم، فقال: من أين لك هذا؟ قلت: أهلله لنا بريرة، وتُصُدّق به عليها"، وعند أحمد، ومسلم من طريق أبي معاوية، عن


(١) "المفهم" ٤/ ٣٣٤ - ٣٣٧.