(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم بيع الولاء:
قال العلامة ابن قُدامة - رحمه الله -: ولا يصح بيع الولاء، ولا هبته، ولا أن يأذن لمولاه، فيوالي من شاء، رُوي ذلك عن عمر، وعليّ، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر - رضي الله عنهم -، وبه قال سعيد بن المسيِّب، وطاوس، وإياس بن معاوية، والزهريّ، ومالك، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وأصحابه، وكَرِه جابر بن عبد الله بيع الولاء، قال سعيد: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: "إنما الولاء كالنسب، أفيبيع الرجل نسبه؟ "، وقال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينار: أن ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس، وكان مكاتَبًا، وروي أن ميمونة وهبت ولاء مواليها للعباس، وولاؤهم اليوم لهم، وأن عروة ابتاع ولاء طهمان، لورثة مصعب بن الزبير، وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أذنتُ لمولاي أن يوالي من شاء، فيجوز؟ قال: نعم.
واحتجّ الأولون بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء، وعن وهبته، وقال:"الولاء لُحْمة كلحمة النسب"، وقال:"لعن الله من تولى غير مواليه"، ولأنه معنى يورث به فلا ينتقل كالقرابة، وفعل هؤلاء شاذّ يخالف قول الجمهور، وتردّه السنة، فلا يعوّل عليه.
قال: ولا ينتقل الولاء عن المعتِق بموته، ولا يرثه ورثته، وإنما يرثون المال به، مع بقائه للمعتِق، هذا قول الجمهور، ورُوي نحو ذلك عن عمر، وعليّ، وزيد، وابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وابن عمر، وأبي مسعود البدريّ، وأسامة بن زيد، وبه قال عطاء، وطاوس، وسالم بن عبد الله، والحسن، وابن سيرين، والشعبيّ، والزهريّ، والنخعيّ، وقتادة، وأبو الزناد، وابن نشيط، ومالك، والثوريّ، والشافعيّ، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وداود، وشذَّ شُرَيح، وقال: الولاء كالمال يورث عن المعتِق، فمن ملك شيئًا حياته، فهو لورثته، ورواه حنبل، ومحمد بن الحكم، عن أحمد، وغَلَّطهما أبو بكر، وهو كما قال، فإن رواية الجماعة عن أحمد، مثل قول الجماعة، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء للمعتق"، وقوله:"الولاء لحمة كلحمة النسب"، والنسب لا يورَّث، وإنما يُورَث به، ولأنه معنى يُورَث به، فلا ينتقل كسائر الأسباب، والله