للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسيأتي تفصيل مذاهبهم في المسألة الثالثة - إن شاء الله تعالى -.

وقال في "المرقاة": قال القاضي - رحمه الله -: ذهب بعض أهل الظاهر إلى أن الأب لا يَعتق على ولده إذا تملّكه، وإلا لم يصح ترتيب الإعتاق على الشراء، والجمهور على أنه يَعتق بمجرد التملك من غير أن يُنشئ فيه عتقًا، وأن قوله: "فيُعتقه" معناه: فيعتقه بالشراء، لا بإنشاء عتق، والترتيب باعتبار الحكم دون الإنشاء، وفي "شرح السنة" قالوا: إذا اشترى الرجل أحدًا من آبائه، وأمهاته، أو أحدًا من أولاده، وأولاد أولاده، أو ملكه بسبب آخر يَعتِق عليه، من غير أن ينشئ فيه عتقًا.

قال المظهر: فعلى هذا الفاء في "فيُعتقه" للسببية، يعني فيعتقه بسبب شرائه، ولا يحتاج إلى قوله: أعتقتك بعد الشراء، بل عَتَق بنفس الشراء، ومن ذهب أنه لا يَعتق بسبب الشراء، يجعل الفاء في "فيعتقه" للتعقيب، لا للسببية، وإذا صحّ الشراء أثبت الملك، والملك يفيد التصرف.

قال الطيبيّ - رحمه الله -: هذا وأمثاله مما لا يَشفي الغليل؛ لأن الأبوة تقتضي المالكية، كما سبق في حديث عمرو بن شعيب: "أنت ومالك لوالدك"، وقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣]، والشراء من مقدمات الملك، والعتق من مقتضياته، كما تقرر في علم الأصول أن من قال: أعتق عبدك عني يقتضي تمليكه إياه، ثم إعتاقه عنه، فالجمع بينهما جمع بين المتنافيين، فالحديث من باب التعليق بالمحال؛ للمبالغة، والمعنى لا يَجزي ولد والده، إلا أن يملكه، فيُعتقه، وهو محال، فالمجازاة محال، كما في قوله تعالى - جل جلاله -: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢]، يعني إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه، فلا يحل لكم غيره، وذلك غير ممكن، والغرض المبالغة في تحريمه، وسدّ الطريق إلى إباحته، كما يُعَلَّق بالمحال، ويجوز أن تكون الفاء كما في قوله تعالى جل شانه: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٥٤] إذا جُعِلت التوبةُ نفسَ القتل. انتهى (١).

وقوله: (وَفي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: "وَلَدٌ وَالِدَهُ") أشار به إلى بيان


(١) "مرقاة المفاتيح" ٦/ ٥١٠.