للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الثالثة): محلّ التحريم ما لم يأذن البائع في البيع على بيعه، فإن أذن في ذلك ارتفع التحريم على الصحيح، وقد ورد التصريح في الرواية التالية عند مسلم من طريق يحيى القطّان، عن عبيد الله، عن نافع: "لا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، إلا أن يأذن له".

قال في "الفتح": قوله: "إلا أن يأذن له" يَحْتَمِل أن يكون استثناء من الحكمين، كما هو قاعدة الشافعيّ، وَيحْتَمِل أن يختصّ بالأخير، ويؤيّد الثاني رواية البخاريّ في "النكاح" من طريق ابن جريج، عن نافع، بلفظ: "نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب"، ومن ثم نشأ خلافٌ للشافعيّة: هل يختصّ ذلك بالنكاح، أو يلتحق به البيع في ذلك؟ والصحيح عدم الفرق. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عدم الفرق هو الذي يظهر لي؛ لأن النهي كان لحقّه، فإذا أذن فقد زال المانع، ويؤيّد ذلك ما رواه النسائيّ بلفظ: "لا يبيع الرجل على بيع أخيه، حتى يبتاع، أو يَذَرَ"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): ظاهر قوله: "على بيع أخيه" اختصاص ذلك بالمسلم، وبه قال الأوزاعيّ، وأبو عبيد ابن حربويه، من الشافعيّة، وأصرح من ذلك ما يأتي للمصنّف من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "لا يسوم المسلم على سوم المسلم"، وقال الجمهور: لا فرق في ذلك بين المسلم والذميّ، وذِكْر الأخ خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، أفاده في "الفتح" (٢).

وقال وليّ الدين - رحمه الله -: - بعدما ذكر خلاف أبي عبيد المذكور -: والصحيح خلافه؛ لأن هذا خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، وقال ابن عبد البرّ: أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز دخول المسلم على الذميّ في سومه، إلا الأوزاعي وحده، فإنه قال: لا بأس به. انتهى (٣).


(١) "الفتح" ٥/ ٨٧.
(٢) "الفتح" ٥/ ٨٨.
(٣) راجع: "طرح التثريب" ٦/ ٧١.