وكذلك إن اشترى على شراء أخيه، وهو أن يجيء إلى البائع، قبل لزوم العقد، فيدفع في المبيع أكثر من الثمن، الذي اشتُري به، فهو محرّم أيضا؛ لأنه في معنى المنهيّ عنه، ولأن الشراء يسمى بيعًا، فيدخل في النهي، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نهى أن يخطب على خطبة أخيه، وهو في معنى الخاطب.
فإن خالف، وعقد فالبيع باطل؛ لأنه منهيّ عنه، والنهي يقتضي الفساد.
قال: ويَحْتَمِل أنه صحيح؛ لأن المحرَّم هو عرض سلعته على المشتري، أو قوله الذي فَسَخَ البيع من أجله، وذلك سابق على البيع، ولأنه إذا صح الفسخ الذي حصل به الضرر، فالبيع المحصِّل للمصلحة أولى، ولأن النهي لحق آدميّ، فأشبه بيع النجش، وهذا مذهب الشافعيّ. انتهى كلام ابن قُدامة - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن الأرجح هو القول ببطلان البيع؛ لأن النهي يقتضي الفساد، إلا إذا صرفه صارف إلى غيره؛ كبيع المصرّاة، وتلقّي الجلب، على ما سيأتي بيانه، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): قال القاضي ابن كجّ من الشافعيّة: تحريم البيع على بيع أخيه أن لا يكون المشتري مغبونًا غبنًا مُفْرطأ، فإن كان فله أن يُعرّفه، ويبيع على بيعه؛ لأنه ضرب من النصيحة، قال النوويّ: هذا الشرط انفرد به ابن كجّ، وهو خلاف ظاهر إطلاق الحديث، والمختار أنه ليس بشرط، والله أعلم. قال وليّ الدين - رحمه الله -: ووافقه ابن حزم، فقال: وأما من رأى المساوم، أو البائع لا يريد الرجوع إلى القيمة، لكن يريد غبن صاحبه بغير علمه، فهذا فرض عليه نصيحة المسلم، فقد خرج عن هذا النهي بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدِّين النصيحة". انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن كج، ووافقه عليه ابن حزم هو الذي لا يتّجه عندي غيره؛ لوضوح حجّته، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.