للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا؟ قولان، سبب المنع عقوبته بنقيض قصده، وقد أجاز أبو حنيفة، والأوزاعيّ التلقّي إلا أن يضرّ بالناس، فيكره، وهذه الأحاديث حجةٌ عليهما. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما سبق أن الصواب ما قاله الشافعيّ - رحمه الله - من أن النهي لحقّ البائع، وأن له الخيار؛ لموافقته للنصّ الصحيح الصريح: "فإذا أتى سيّده السوق، فهو بالخيار"، فإنه يدلّ على أن البائع هو سبب النهي، وأن البيع إذا أجازه جاز، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم: هل يُقدّر النهي عن التلقّي بمسافة، أم لا؟

قال وليّ الدين العراقيّ - رحمه الله -: ظاهر الحديث أنه لا فرق في النهي عن التلقّي بين أن تكون المسافة التي يُتلقّى إليها قريبة، أو بعيدة، وهو الذي يقتضيه إطلاق أصحابنا، وغيرهم، وقيّد المالكيّة محل النهي بحدّ مخصوص، واختلفوا في ذلك الحدّ، فقال بعضهم: ميل، وقال بعضهم: فرسخان، وقال بعضهم: يومان، وهو معنى ما رواه أبو قرّة، عن مالك أنه قال: إني لأكره تلقي السلع، وأن يُبلغ به أربعة برود. انتهى. فإن زادت المسافة على ذلك لم تدخل تحت النهي، وقيل لمالك: أرأيت إن كان ذلك على رأس ستة أميال؟ فقال: لا بأس بذلك، وكأن ذلك جاز على طريقته في أن النظر لأهل البلد، وإنما تتشوّف أطماعهم لمن قرُب منهم، وأما البعيد، فلا تشوّف لهم إليه، ولعلّ النظر في تحديد القرب للعرف.

وحكى ابن حزم عن سفيان الثوريّ أنه منهيّ عنه إذا كان بحيث لا تقصر الصلاة إليه، فإن تلقّاها بحيث تقصر الصلاة، فصاعدًا، فلا بأس بذلك. انتهى (٢).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله -: وقد اختلف أصحابنا - يعني المالكيّة - في مسافة منع التلقّي، فقيل: يومان، وقيل: ستة أميال، وقيل: قرب المصر، قلت: هذه التحديدات متعارضةٌ، لا معنى لها؛ إذ لا توقيف، وإنما محلّ المنع


(١) "المفهم" ٤/ ٣٦٦ - ٣٦٧.
(٢) "طرح التثريب" ٦/ ٦٧ - ٦٨.