قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخٌ زانٍ، وملكٌ كَذّاب، وعائلٌ مستكبرٌ".
فكيف تجمع بين هذا، وبين ما قاله المصنّف؟.
[قلت]: يمكن أن يُجمع بينهما بأن وكيعًا رَوَى الحديث بالوجهين، فنفي المصنّف يُحمَل على أنه ما وصلت إليه رواية أحمد، والله تعالى أعلم بالصواب.
(وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي مؤلِمٌ (شَيْخٌ زَانٍ) خبر لمحذوف: أي أحدهم: رجلٌ كبير السنّ الذي بلغ إلى حالة لا يَحتاج فيها كثيرًا إلى النساء (وَمَلِكٌ كَذَّابٌ) وفي رواية النسائيّ: "وَالْإِمَامُ الْكَذَّابُ"، وفي رواية له:"والإمام الجائر".
(وَعَائِلٌ) أي فقير، والْمُعِيل: الكثير العيال. يقال: عال الرجلُ يَعِيل، من باب باع، فهو عائلٌ: إذا افتقر. والْعَيْلَة: الفقر، وأعال فهو مُعِيلٌ: إذا كثر عياله. وجمع العائل: عالةٌ، وهو في تقدير فُعَلَة، مثلُ كافر وكَفَرَة، أفاده في "المصباح".
(مُسْتَكْبِرٌ") أي متكبّر، وعند النسائيّ: و"العائلٌ الْمَزْهُوُّ"، و"المزهُوّ" بصيغة اسم المفعول: أي المتكبّر، من زُهِي الرجل بالبناء للمفعول على الأكثر، أو من زَهَا بالبناء للفاعل، على قلّة.
قال القرطبيّ رحمه الله تعالى في "المفهم": وإنما غُلّظ العقاب على هؤلاء الثلاثة؛ لأن الحامل لهم على تلك المعاصي محض المعاندة، واستخفاف أمر تلك المعاصي التي اقتحموها؛ إذ لم يحملهم على ذلك حاملٌ حاجيّ، ولا دعتهم إليها ضرورة، كما يدعو من لم يكن مثلهم. وبيان ذلك أن الشيخ لا حاجة، ولا داعية له تدعوه إلى الزنى؛ لضعف داعية النكاح في حقّه، ولكمال عقله، ولقرب أجله؛ إذ قد انتهى طَرَفٌ من عمره، ونحو ذلك الملك الكذّاب؛ إذ لا حاجة له إلى الكذب، فإنه يمكنه أن يُمَشِّي أغراضه بالصدق؛ فإن خاف من الصدق مفسدةً ورَّى.
وأما العائل المستكبر، فاستحقّ ذلك لغلبة الكبر على نفسه؛ إذ لا سبب له من خارج يحمله على الكبر، فإن الكبر غالبًا إنما يكون بالمال، والْخَدَم،