والجاه، وهو قد عَدِمَ ذلك كلّه، فلا موجب له إلا غلبة الكبر على نفسه، وقلّة مبالاته بتحريمه، وتوعُّد الشرع عليه، مع أنّ اللائق به، والمناسب لحاله الرّقّة، والتواضع؛ لفقره وعجزه. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (١).
وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وأما سبب تخصيصه - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء الثلاثة بالوعيد المذكور أنّ كلّ واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بُعْدها منه، وعدم ضرورته إليها، وضعف دواعيها عنده، وإن كان لا يُعذر أحد بذنب، لكن لما لم تدعهم إلى هذه المعاصي ضرائر مُزْعِجَة، ولا دواعٍ معتادة، ولا حملهم عليها أسبابٌ لازمةٌ أشبه إقدامهم عليها المعاندة، والاستخفاف بحقّ الله تعالى، وقصد معصيته، لا لحاجة غيرها.
فإن الشيخ لكمال عقله، وتمام معرفته بطول ما مرّ عليه من الزمان، وضعف أسباب الجماع، والشهوة للنساء، واختلال دواعيه لذلك، وبرد مزاجه، وإخلاق جديده عنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا، ويخلي سرّه منه بطبيعته، فكيف بالزنا الحرام؟ وإنما دواعي ذلك الشباب، والحرارة الغريزيّة، وقلّة المعرفة، وغلبة الشهوة؛ لضعف العقل، وصغر السنّ.
وكذلك الإمام لا يَخشى من أحد من رعيّته، ولا يَحتاج إلى مداهنته، ومصانعته، فإن الإنسان إنما يُداهن، ويصانع بالكذب وشبهه من يَحذَره، ويخشى أذاه، ومعاتبته، أو يطلب عنده بذلك منزلة، أو منفعة، وهو غنيّ عن الكذب مطلقًا.
وكذلك العائل المستكبر قد عَدِمَ المال، وإنما سبب الفخر، والخيلاء، والتكبّر، والارتفاع على القرناء إنما هو الثَّرْوَةُ في الدنيا؛ لكونه ظاهرًا فيها، وحاجات أهلها إليه، فإذا لم يكن عنده أسبابها، فلماذا يستكبر، ويحتقر غيره؟، فلم يبق إلا أن في استكبار هذا، وزنا الشيخ الكبير، وكذب الإمام ضربًا من الاستخفاف بحقّ الله تعالى، ومعاندة نواهيه وأوامره، وقلّة الخوف من وعيده؛ إذ لم يبقَ حاملٌ لهم على هذه الأفعال السيّئة إلا هذا، مع ما سبق