قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن الأرجح رواية من رواه:
"وصاعًا من تمر"، وأن رواية من رواه:"وصاعًا من طعام" يردّ إلى معنى الأولي، فالمراد بالطعام هو التمر، وإنما أطلق لفظ الطعام على التمر؛ لأنه كان غالب قوت أهل المدينة، كما تقدّم في كلام الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -، فتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم من اشترى مصرّاة:
ذهب عامّة أهل العلم إلى أن من اشترى مصرّاة من بهيمة الأنعام، لَمْ يَعلم تصريتها، ثم علم، فله الخيار في الرد والإمساك، رُوي ذلك عن ابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وأنس - رضي الله عنهم -، وإليه ذهب مالك، وابن أبي ليلي، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف.
وذهب أبو حنيفة، ومحمد، إلى أنه لا خيار له؛ لأنَّ ذلك ليس بعيب، بدليل أنَّها لو لَمْ تكن مصرّاة، فوجدها أقلّ لبنًا من أمثالها، لَمْ يملك ردها، والتدليس بما ليس بعيب، لا يُثبت الخيار، كما لو علفها فانتفخ بطنها، فظن المشتري أنَّها حامل.
واحتجّ الأولون بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال:"لا تصرّوا الإبل، والغنم، فمن ابتاعها بعدُ، فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردّها وصاعًا من تمر"، متَّفقٌ عليه.
قال ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: ولأن هذا تدليس بما يختلف الثمن باختلافه، فوجب به الرد، كما لو كانت شمطاء، فسوّد شعرها، وقياسهم يبطل بتسويد الشعر، فإن بياضه ليس بعيب كالكِبَر، وإذا دلسه ثبتٌ له الخيار، وأما انتفاخ البطن، فقد يكون من الأكل والشرب، فلا معنى لحمله على الحمل، ثم إن هذا القياس مخالف للنص، واتباع قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوجب من غيره. أفاده في "المغني"(١).
وقال في "الفتح": وقد أخذ بظاهر هذا الحديث جمهور أهل العلم، وأفتى به ابن مسعود، وأبو هريرة، ولا مخالف لهما من الصحابة، وقال به من