للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: ويَحتمل أن يكون راويه رواه بالمعني، الذي ظنه مساويًا، وذلك أن المتبادر من الطعام البر، فظن الراوي أنه البر، فعبّر به.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن الحكم على هذه الرواية بلفظ: "صاعًا من برّ"المخالفة للروايات الكثيرة بالشذوذ ليس ببعيد، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

قال: وإنما أطلق لفظ الطعام على التمر؛ لأنه كان غالب قوت أهل المدينة، فهذا طريق الجمع، بين مختلف الروايات، عن ابن سيرين في ذلك.

قال: لكن يعكُر على هذا، ما رواه أحمد، في سناد صحيح، عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، عن رجل من الصحابة، نحو حديث الباب، وفيه: "فإن ردّها ردّ معها صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر"، فإن ظاهره يقتضي التخيير، بين التمر والطعام، وأن الطعام غير التمر. ويَحْتَمِل أن تكون "أو" شكًّا من الراوي، لا تخييرًا.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الاحتمال أولى ما توجّه به هذه الرواية، فتأمله بإمعان.

قال: وإذا وقع الاحتمال في هذه الروايات، لَمْ يصح الاستدلال بشيء منها، فَيُرجَع إلى الروايات التي لَمْ يختلف فيها، وهي التمر، فهي الراجحة، كما أشار إليه البخاريّ.

وأما ما أخرجه أبو داود، من حديث ابن عمر، بلفظ: "إن ردها رد معها مثل، أو مثلي لبنها قَمْحًا"، ففي إسناده ضعف، وقد قال ابن قدامة: إنه متروك الظاهر بالاتفاق. وقوله: "والتمر أكثر"؛ أي: أن الروايات الناصة على التمر أكثر عددًا، من الروايات التي لَمْ تنص عليه، أو أبدلته بذكر الطعام، فقد رواه بذكر التمر غير من تقدم ذكره، ثابت بن عياض عند البخاريّ، وهمام بن منبه عند مسلم (١)، وعكرمة، وأبو إسحاق عند الطحاويّ، ومحمد بن زياد، عند الترمذيّ، والشعبيّ عند أحمد، وابن خزيمة، كلهم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

وأما رواية من رواه بذكر الإناء، فيفسرها رواية من رواه بذكر الصاع، وقد تقدم ضبطه في الزكاة. انتهى (٢).


(١) هي الرواية الأخيرة في هذا الباب.
(٢) الفتح" ٥/ ٦١٩ - ٦٢١.