الراجح؟ ودعوى كونه بعده، لا دليل عليها، وعلى التنزل، فالمشتري لَمْ يؤمر بغرامة ما حدَث في ملكه، بل بغرامة اللبن الذي ورد عليه العقد، ولم يدخل في العقد، فليس بين الحديثين على هذا تعارض.
وقيل: ناسخه الأحاديث الواردة في رفع العقوبة بالمال، وقد كانت مشروعة قبل ذلك، كما في حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه، في مانع الزكاة:"فإنا آخذوها وشطر ماله"، وحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه في الذي يَسرِق من الجرين، "يُغَرَّم مثليه"، وكلاهما في "السنن"، وهذا جواب عيسى بن أبان، فحديث المصرّاة من هذا القبيل، وهي كلها منسوخة.
وتَعَقّبه الطحاويّ بأن التصرية، إنما وجدت من البائع، فلو كان من ذلك الباب للزمه التغريم، والفرض أن حديث المصرّاة، يقتضي تغريم المشترى فافترقا.
ومنهم من قال: ناسخه حديث: "البيعان بالخيار، ما لَمْ يتفرقا"، وهذا جواب محمد بن شجاع، ووجه الدلالة منه، أن الفرقة تقطع الخيار، فثبت أن لا خيار بعدها، إلَّا لمن استثناه الشارع بقوله:"إلَّا بيع الخيار".
وتعقبه الطحاويّ بأن الخيار الذي في المصراة، من خيار الرد بالعيب، وخيار الرد بالعيب لا تقطعه الفرقة.
ومن الغريب أنهم لا يقولون بخيار المجلس، ثم يحتجون به فيما لَمْ يرد فيه.
ومنهم من قال: هو خبر واحد، لا يفيد إلَّا الظن، وهو مخالف لقياس الأصول، المقطوع به، فلا يلزم العمل به.
وتُعُقّب بأن التوقف في خبر الواحد، إنما هو في مخالفة الأصول، لا في مخالفة قياس الأصول، وهذا الخبر إنما خالف قياس الأصول، بدليل أن الأصول: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والكتاب والسنة في الحقيقة، هما الأصل، والآخران مردودان إليهما، فالسنة أصل، والقياس فرع، فكيف يردّ الأصل بالفرع؟ بل الحديث الصحيح أصل بنفسه، فكيف يقال: إن الأصل يخالف نفسه؟ وعلى تقدير التسليم بكون قياس الأصول، يفيد القطع، وخبر الواحد لا يفيد إلَّا الظن، فتناوُل الأصلِ لمحلّ هذا الخبر الواحد، غير مقطوع به؛ لجواز استثناء محله من ذلك الأصل.