للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بكلام مَن سَخِطَ عليه، كما جاء في "صحيح البخاريّ" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، مرفوعًا: "يقول الله لمانع الماء: اليوم أمنعك فضلي، كما منعت فضل ما لم تعمل يداك"، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز أنه يقول للكافرين: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨]، وقيل: معناه: لا يكلّمهم بغير واسطة، استهانةً بهم، وقيل: معنى ذلك الإعراض عنهم، والغضب عليهم، وقد تقدّم البحث في هذا مستوفًى في حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه -، فلا تَنْسَ. (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) أي نظر لطف، ورحمة، وإحسان إليهم؛ إذ نظره تعالى محيط بكل شيء (وَلَا يُزَكِّيهِمْ) أي لا يُثني عليهم، ومن لم يُثن عليه عذّبه، وقيل: لا يُطهّرهم من خُبث أعمالهم؛ لعظيم جُرْمهم (وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيمٌ) أي شديد الألم الموجع (رَجُلٌ) بدل تفصيل من"ثلاثةٌ"، أو خبر لمحذوف: أي أحدهم رجلٌ (عَلَى فَضْلِ مَاءٍ) من إضافة الصفة للموصوف: أي على ماء فاضل، والوصف بالفضل من باب: زيدٌ عدلٌ، والمراد ما فَضَلَ عن كفايته التي يستحقّها السابقُ للماء، فإنه أحقّ من غيره، حتى يأخذ حاجته منه، فإذا منع المستحقّ بعد أخذه كفايته عما زاد على حاجته، فقد استحقّ هذا الوعيد (بِالفَلَاةِ) بفتح الفاء: هي المفازة، والقفر التي لا أنيس بها، قاله النوويّ (١)، وقال الفيّوميّ: "الفلاة": الأرض لا ماءَ فيها، والجمع فلًا، مثلُ حَصَاةٍ وحَصًا، وجمع الجمع: أفلاء، مثلُ سَبَبٍ وأسباب. انتهى (٢). وفي رواية النسائيّ: "بالطريق"، وهو معنى الفلاة هنا (يَمْنَعُهُ) أي فضل الماء (مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ) أي المسافر، ولفظ النسائيّ: "يَمْنَعُ ابْنَ السَّبِيلِ مِنْهُ"، والمعنى واحد، وإن تغاير المفهومان؛ لتلازمهما؛ لأنه إذا منعه من الماء، فقد منع الماء منه، أفاده في "الفتح" (٣).

و"ابن السبيل": هو المسافر، و"السبيل": الطريق، وسمّي المسافر بذلك؛ لأن الطريق تُبْرِزه، وتُظْهِره، فكأنها ولدته، وقيل: سُمّي بذلك؛ لملازمته إياه، كما يقال في الغراب: ابن دَأْيَة؛ لملازمته دَأْية البعير الدَّبِرِ لينقُرها (٤).


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ١١٦ - ١١٧.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٤٨١.
(٣) "الفتح" ١٣/ ٢١٤ - ٢١٥.
(٤) "البعير الدبِر": هو الذي تقرّحت دأيته، والدأية من البعير: هو الموضع الذي تقع عليه ظَلِفَةُ الرحل، فيعقره.