(وَ) الثاني (رَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا) أي عقد البيع معه (بِسِلْعَةٍ) قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: رويناه "سِلْعَةً" بغير باء، ورويناه بالباء، فعلى الباء بايع بمعنى ساوم، كما جاء في الرواية الأخرى:"ساوم"، مكان "بايع"، وتكون الباء بمعنى:"عن"، كما في قول الشاعر [من الطويل]:
أي عن النساء. وعلى إسقاطها يكون معنى "بايع" باع، فيتعدّى بنفسه، و"سلعة" مفعوله. انتهى.
وفي رواية جرير الآتية:"وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلًا بسلعة"، وهو مفاعلةٌ من السَّوْم، يقال: سام البائع السّلْعة سَوْمًا، من باب قال: إذا عَرضَها للبيع، والتساوم بين اثنين أن يعرض البائع السلعة بثمن، ويطلبها صاحبه بثمن دون ما طلبه، أفاده الفيّوميّ.
(بَعْدَ الْعَصْرِ) أي بعد صلاة العصر، وخصّ بعد العصر مبالغةً في الذمّ؛ لأنه وقتٌ يتوب فيه المقصّر تمام النهار، ويشتغل فيه الموفَّقُ بالذكر ونحوه، فالمعصية في مثله أقبح.
وقال النوويّ: وخصّ ما بعد العصر بالحلف؛ لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار، وغير ذلك.
وقال الخطّابيّ: خصّ وقت العصر بتعظيم الإثم فيه، وإن كانت اليمين الفاجرة محرّمة في كلّ وقت؛ لأن الله عظّم شأن هذا الوقت، بأن جعل الملائكة تجتمع فيه، وهو وقت ختام الأعمال، والأمور بخواتيمها، فَغُلِّظت العقوبة فيه؛ لئلا يُقْدِم عليها تجرّؤًا، فإن مَن تجرّأ عليها فيه اعتادها في غيره.
وكان السلف رحمهم الله تعالى يُحَلّفُون بعد العصر، وجاء ذلك في الحديث أيضًا، كما قاله في "الفتح"(١).
وقال القرطبيّ: وتخصيصه بما بعد العصر يدلّ على أن لهذا الوقت من الفضل والحرمة ما ليس لغيره من ساعات اليوم، ويظهر لي أن يقال: إنما كان ذلك؛ لأنه عقب الصلاة الوسطى، ولما كانت هذه الصلاة لها من الفضل،