للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[فإن قيل]: فما في "الموطأ" يدل على فسخ البيعين: بيع المعطى له، وبيع المشتري منه؛ إذ فيه: أن مروان بعث الْحَرَس لينتزعوا الصكوك من أيدي الناس، ولم يفرّق.

فالجواب ما قد بيّنه بتمام الحديث، حيث قال: ويردُّونها إلى من ابتاعها، وكذلك فَعَل عمر بحكيم، فإنه ردَّ الطعام عليه؛ لأنه هو الذي كان اشتراه من الذي أُعطيه، فباعه قبل أن يستوفيه كما قد نصَّ عليه فيه.

والجار موضع معروف بالسَّاحل (١) كان يجتمع فيه الطعام فيُرزَقُ الناس منه (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى ضه: هذا التأويل الذي ذكره النوويّ، والقرطبيّ وغيرهما لأثر أبي هريرة - رضي الله عنه - المذكور حسنٌ جدًّا.

وحاصله أن النهي إنما هو لمن اشترى ممن خرجت له الصكوك أن يبيعها قبل أن يقبضها، لا أن أصحاب الصكوك يُمنعون من بيع صكوكهم؛ لأنها ملكهم المستقرّ، لا تحتاج إلى قبض، كما إذا ملكه بإرث، أو وصيّة، أو نحو ذلك، فتأمله، ويوضّح هذا قصّة حكيم بن حزام - رضي الله عنه - المذكورة، فتأمله، والله تعالى أعلم.

(وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى) بالبناء للمفعول؛ أي: حتى يقبضه المشتري من بائعه، ويحوزه في ملكه (قَالَ) سليمان بن يسار: (فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ، فَنَهَى) وفي بعض النسخ: "فنهاهم" (عَنْ بَيْعِهَا، قَالَ سُلَيْمَانُ) بن يسار: (فَنَظَرْتُ إِلَى حَرَسٍ) بفتحتين: أعوان السلطان، قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: حَرَسَهُ يَحْرُسه، من باب قتل: حَفِظَهُ، والاسم الْحِرَاسةُ، فهو حارسٌ، والجمع: حَرَسٌ، وحُرّاسٌ، مثلُ خادم وخَدَمٍ وخُدَّام، وحَرَسُ السلطان أعوانه، جُعل عَلَمًا على الجمع لهذه الحالة المخصوصة، ولا يُستعمل له واحد من لفظه، ولهذا نُسب إلى الجمع، فقيل: حَرَسيّ، ولو جُعِل الْحَرَسُ


(١) "الجار" بتخفيف الراء: مدينة على ساحل بحر القلزم - الأحمر - بينها وبين المدينة النبويّة يوم وليلة. انتهى. "معجم البلدان" (٢/ ٩٢).
(٢) "المفهم" ٤/ ٣٨٠ - ٣٨١.