وتُعقّب بأنه حجر عليه، لكنه لمّا رأى أنه لا ينفع الحجر فيه، لكونه لا يترك البيع علّمه ما يرفع عنه الضرر، إن لحقه، كما مرّ آنفًا، والحاصل أن دلالة الحديث على ما قاله الأولون واضحة، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في كتابه "إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين": أحدث بعض المتاخرين حِيَلًا، لم يصح. القول بها عن أحد من الأئمة، ومن عَرَف سيرة الشافعيّ، وفضله، عَلِم أنه لم يكن يأمر بفعل الحيل، التي تبنى على الخداع، وإن كان يُجري العقود على ظاهرها، ولا ينظر إلى قصد العاقد، إذا خالف لفظه، فحاشاه أن يُبيح للناس المكر والخديعة، فإن الفرق بين إجراء العقد على ظاهره، فلا يعتبر القصد في العقد، وبين تجويز عقد، قد عُلم بناؤه على المكر، مع العلم بأن باطنه بخلاف ظاهره ظاهر، ومن نسب حِل الثاني إلى الشافعي، فهو خصمه عند الله، فإن الذي جوّزه بمنزلة الحاكم يُجري الحكم على ظاهره، في عدالة الشهود، فيحكم بظاهر عدالتهم، وإن كانوا في الباطن شهود زور، وكذا في مسألة الْعِينَة، إنما جوّز أن يبيع السلعة ممن يشتريها، جريًا منه على أن ظاهر عقود المسلمين سلامتها من المكز والخديعة، ولم يجوّز قط أن المتعاقدين يتواطآن على ألف، بألف ومائتين، ثم يُحضران سلعة، تُحلل الربا، ولا سيما إن لم يقصد البائع بيعها، ولا المشتري شراءها، ويتأكد ذلك، إذا كانت ليست ملكًا للبائع، كان يكون عنده سلعة لغيره، فيوقع العقد، وَيدَّعي أنها ملكه، ويصدقه المشتري، فيوقعان العقد على الأكثر، ثم يستعيدها البائع بالأقل، ويترتب الأكثر في ذمة المشتري في الظاهر، ولو عَلِمَ الذي جَوَّز ذلك بذلك، لبادر إلى إنكاره؛ لأن لازم المذهب ليس بمذهب، فقد يذكر العالم الشيء، ولا يستحضر لازمه، حتى إذا عرفه أنكره، وأطال في ذلك جِدًّا، وهذا ملخصه:
قال الحافظ: والتحقيق أنه لا يلزم من الاثم في العقد بطلانه، في ظاهر الحكم، فالشافعية يجوّزون العقود على ظاهرها، ويقولون مع ذلك: إنّ من عَمِلَ الحيل بالمكر والخديعة، يأثم في الباطن، وبهذا يحصل الانفصال عن