وحَدَّه أبو بكر في "التنبيه"، وابن أبي موسى في "الإرشاد" بالثلث، وهو قول مالك؛ لأن الثلث كثير، بدليل قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "والثلث كثير"، وقيل: بالسدس، وقيل: ما لا يتغابن الناس به في العادة؛ لأن ما لا يَرِدُ الشرع بتحديده، يُرجَع فيه إلى العرف. انتهى كلام ابن قدامة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه أحمد - رحمه الله - من إثبات الخيار في الغبن للمسترسل هو الظاهر؛ لأن الشارع أثبت الخيار في مواضع كثيرة، من مواضع الغرر، مثل تلقّي الركبان، والمصرّاة، والنجش، وغيرها، فدلّ ذلك على أن ما كان بمعناها مثلها في الحكم، وهو الغبن، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في مشروعيّة الحجر على السفيه:
قال الإمام الترمذيّ - رحمه الله - - بعد أن أخرج الحديث -، ما نصّه: والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم، وقالوا: الحجر على الرجل الحرّ في البيع والشراء، إذا كان ضعيف العقل، وهو قول أحمد، وإسحاق، ولم ير بعضهم أن يُحجر على الحرّ البالغ. انتهى.
وقال البغويّ - رحمه الله -: قد يَحتجّ بهذا الحديث من لا يرى الحجر على الحرّ البالغ، ولو جاز الحَجْر لمنعه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من البيع حين عَلِم ضعف عقله، وكثرة غبنه.
وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الحرّ البالغ إذا كان مفسدًا لماله سفيهًا يُحجر عليه، وهو قول عليّ، وعثمان، والزبير، وبه قال الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، حتى قال الشافعيّ: لو كان فاسقًا يُحجر عليه، وإن كان غير مفسد لماله. انتهى.
وحجة الأولين هذا الحديث، ووجهه أن أهل ذلك الرجل لما طلبوا منه - صلى الله عليه وسلم - الحجر عليه، لم ينكر عليهم، بل منعه من البيع، إلا أنه لمّا رأى أنه لا يترك ذلك، عَلَّمَهُ أن يقول:"لا خلابة".
واحتجّ المانعون أيضًا بهذا الحديث، ووجهه أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحجر عليه، فلو كان الحجر جائزًا لحجر عليه.