(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في مشروعيّة خيار الغبن:
قال النوويّ - رحمه الله -: اختلف العلماء في هذا الحديث، فجعله بعضهم خاصًّا في حقّه، وأن المغابنة بين المتبايعين لازمة، ولا خيار للمغبون بسببها، سواء قلّت، أو كثُرت، وهذا مذهب الشافعيّ، وأبي حنيفة، وآخرين، وهي أصحّ الروايتين عن مالك، وقال البغداديّون من المالكيّة: للمغبون الخيار لهذا الحديث، بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة، فإن كان دونه فلا، والصحيح الأول؛ لأنه لم يثبت أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أثبت له الخيار، وإنما قال له: قل: "لا خلابة"؛ أي: لا خديعة، ولا يلزم من هذا ثبوت الخيار، ولأنه لو ثبت، أو أثبت له الخيار، كانت قضيّة عين، لا عموم لها، فلا ينفذ منه إلى غيره إلا بدليل. انتهى. "شرح مسلم" ١٠/ ١٧١.
وقال ابن قُدامة - رحمه الله - في "المغني": ويثبت الخيار في البيع للغبن في مواضع:
[أحدها]: تلقي الركبان، إذا تلقاهم، فاشترى منهم، وباعهم، وغبنهم.
[الثاني]: بيع النجش، وقد سبق بيان حكم هذين الغبنين قريبًا.
[الثالث]: المسترسِل إذا غُبن غبنًا يخرج عن العادة، فله الخيار بين الفسخ والإمضاء، وبهذا قال مالك، وقال ابن أبي موسى: وقد قيل: قد لزمه البيع، وليس له فسخه، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعيّ؛ لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها، لا يمنع لزوم العقد، كبيع غير المسترسل، وكالغبن اليسير.
قال: ولنا أنه غبن حصل لجهله بالمبيع، فأثبت الخيار كالغبن في تلقي الركبان، فأما غير المسترسل، فإنه دخل على بصيرة بالغبن، فهو كالعالم بالعيب، وكذا لو استعجل، فَجَهِل ما لو تثبّت لَعَلِمه، لم يكن له خيار؛ لأنه انبنى على تقصيره وتفريطه، والمسترسل: هو الجاهل بقيمة السلعة، ولا يُحسِن المبايعة، قال أحمد: المسترسل: الذي لا يحسن أن يُماكِس، وفي لفظ: الذي لا يماكس، فكأنه استرسل إلى البائع، فأخذ ما أعطاه، من غير مماكسة، ولا معرفة بغبنه، فأما العالم بذلك، والذي لو توقف لعرف، إذا استعجل في الحال، فغُبِن فلا خيار لهما، ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد،