للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(بِهَا) أي بتلك الحديدة، وهو متلّق بـ "يتوجّأ"، وكذا قوله: (فِي بَطْنِهِ) وأما قوله: (فِي نَارِ جَهَنَّمَ) متعلّق بحال محذوف: أي حال كونه كائنًا في نار جهنّم، و"جهنّم" اسم لنار الآخرة - عافانا الله منها، ومن كلّ بلاء - قال يونس، وأكثر النحويين: هي عجميّة، لا تنصرف للعجمة والتعريف، وقال آخرون: هي عربيّة، لم تصرف للتأنيث والعلميّة، وسميت بذلك لبعد قعرها، يقال: بئر جَهنّم، وجِهِنَّام - بكسر الجيم والهاء -: أي بعيدة الْقَعْر، وقيل: مشتقّة من الْجُهُومة، وهي الغِلَظ، يقال: جَهْمُ الوجه: أي غليظه، فسميت جهنّم لغلظ أمرها. والله أعلم (١).

وقوله: (خَالِدًا) منصوب على أنه حال مقدّرة من فاعل "يتوجّأ"، وهو اسم فاعل من خَلَدَ بالمكان خُلُودًا، من باب قَعَدَ: إذا أقام فيه، وأخلد بالألف مثله (٢)، وقوله: (مُخَلَّدًا) بفتح اللام المشدَّدة: اسم مفعول من التخليد، حال مؤكّد لما قبله (فِيهَا) أي في نار جهنم، وهو متعلّق بـ "خالدًا"، أو بـ "مُخَلَّدًا" على سبيل التنازع، وكذا قوله: (أَبَدًا) ظاهره موافق لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية [النساء: ٩٣]؛ لعموم المؤمن نفس القاتل أيضًا، لكن قال الإمام الترمذيّ رحمه الله تعالى: قد جاءت الرواية بلا ذكر "خالدًا مُخلّدًا أبدًا"، وهي أصحّ، لما ثبت من خروج أهل التوحيد من النار. انتهى.

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: ظاهره التخليد الذي لا انقطاع له بوجه، وهو محمول على من كان مستحلّا لذلك، ومن كان متعمّدًا لذلك كان كافرًا، وأما من قتل نفسه، وهو غير مستحلّ، فليس بكافر، بل يجوز أن يعفو الله عنه، قال: ويجوز أن يراد بقوله: "خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا" تطويل الآماد، ثم يكون خروجه من النار من آخر من يخرج من أهل التوحيد، وَيجري هذا مَجرى المثل، فتقول العرب: خلّد الله ملكك، وأبّد أيامك، ولا أُكلّمك أبد الآبدين، ولا دهر الداهرين، وهو ينوي أن يكلّمه بعد أزمان، وَيجري هذا مجرى الإغياء في الكلام. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": وقد تمسّك بقوله: "خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا" المعتزلة،


(١) شرح مسلم للنوويّ بتصرّف ٢/ ٣٠٣ - ٣٠٤ كتاب الإيمان.
(٢) "المصباح" ١/ ١٧٧.
(٣) المفهم ١/ ٣١٠ - ٣١١ كتاب الإيمان، باب من قتل نفسه بشيء عُذّب به.