للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وغيرهم ممن قال بتخليد أصحاب المعاصي في النار، وأجاب أهل السنّة عن ذلك بأجوبة:

منها: توهيم هذه الزيادة، قال الترمذيّ بعد أن أخرجه: رواه محمد بن عجلان، عن سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فلم يذكر: "خالدًا مخلّدًا"، وكذا رواه أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: وهو أصحّ؛ لأن الروايات صحّت أن أهل التوحيد يُعذّبون، ثم يُخرجون منها، ولا يُخلّدون.

وأجاب غيره بحمل ذلك على من استحلّه، فإنه يصير باستحلاله كافرًا، والكافر مخلّد بلا ريب، وقيل: ورد مورد الزجر والتغليظ، وحقيقته غير مرادة، وقيل: المعنى أن هذا جزاؤه، لكن قد تكرّم الله على الموحّدين، فأخرجهم من النار بتوحيدهم، وقيل: التقدير مخلّدًا فيها إلى أن يشاء الله. وقيل: المراد بالخلود طول المدة، لا حقيقة الدوام، كأنه يقول: يُخلّد مدة معيّنةً، وهذا أبعدها. انتهى (١).

وقال الطيبيّ رحمه الله تعالى: والظاهر أن المراد من هؤلاء الذين فعلوا ذلك مستحلّين له، وإن أريد منه العموم، فالمراد من الخلود والتأبيد: المكث الطويل المشترك بين دوام الانقطاع له، واستمرارٍ مديدٍ ينقطع بعد حين بعيد؛ لاستعمالها في المعنيين، فيقال: وقف وقفًا مخلَّدًا مؤبّدًا، وأُدخل فلان حبس الأبد، والاشتراك والمجاز خلاف الأصل، فيجب جعلهما للقدر المشترك بينهما؛ للتوفيق بينه وبين ما ذكرنا من الدلائل.

[فإن قلت]: ما تصنع بالحديث الذي يأتي عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "بادرني عبدي بنفسه، فحرّمت عليه الجنّة"؟.

[قلت]: هو حكاية حال، فلا عموم فيها؛ إذ يحتمل أن الرجل كان كافرًا، أو ارتدّ؛ لشدّة الجراحة، أو قتل نفسه مستبيحًا، مع أن قوله: "فحرّمت عليه الجنّة"، ليس فيه ما يدلّ ظنًّا على الدوام والإقناط الكلّيّ فضلًا عن القطع. انتهى كلام الطيبيّ (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن أحسن التأويل إذا لم يكن مستحلّا تأويل من قال: هذا جزاؤه إن جُوزي، لكن قد تكرّم الله على


(١) فتح ٣/ ٥٩٣ - ٥٩٤ كتاب الجنائز، باب ما جاء في قاتل النفس، رقم الحديث (١٣٦٣).
(٢) "الكاشف" ٨/ ٢٤٥٧.