للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الموحّدين، فأخرجهم من النار بتوحيدهم؛ وهو أقرب التأويلات؛ للجمع بين النصوص التي تقطع بدخول الموحّدين الجنة، وإن فعلوا ما فعلوا غير الشرك، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء: ١١٦] الآية، والله تعالى أعلم بالصواب.

(وَمَنْ شَرِبَ) وفي رواية للبخاريّ: "ومن تَحَسَّى سمًّا"، و"تَحَسَّى" بمهملتين بوزن تغدَّى: أي شَرِبَ بتمهّل، وتجرّعه، والتحسّي، والحسو واحد، غير أن فيه تكلّفًا، قاله الطيبيّ.

(سَمًّا) هو: بتثليث السين المهملة، والفتح أفصح، وتشديد الميم، قال في "المصباح": السِمّ: ما يَقتل، وبالفتح أكثر، وجمعه سُموم، مثل فَلْس، وفُلُوس، وسِمَام أيضًا، مثل سَهْم، وسِهَام، والضمّ لغة لأهل العالية، والكسر لغة لبني تميم، وسَمَمتُ الطعامَ سَمًّا، من باب قَتَلَ: جعلتُ فيه السمّ، و"السّمّ" ثَقْبُ الإِبْرَة، وفيه اللغات الثلاث، وجمعه سِمَام. انتهى.

وقال القرطبي: السمّ القاتل للحيوان يقال بضمّ السين، وفتحها، وأما السمّ الذي هو ثُقْبُ الإبرة، فبالضمّ لا غير. انتهى (١).

وقال السنديّ: والسمّ دواء قاتل، يُطرح في طعام، أو ماء، فينبغي أن يُحمل "تحسّى" على معنى أدخل في باطنه، ليعمّ الأكل والشرب جميعًا. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذكره القرطبيّ من ضبط السمّ فيه نظر؛ لأنه يردّه ما سبق عن "المصباح"، فإنه ضبطه بالتثليث، ونحوه في "القاموس"، فإنه قال: السّمّ الثَّقْبُ، وهذا القاتل المعروف، ويثلّث فيهما، جمعه سُمُوم، وسِمَام. انتهى (٣).

فقد ثبت فيهما التثليث، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(فَقَتَلَ نَفْسَهُ) فائدة ذكر هذه الجملة بعد ما قبلها بيان توقّف الجزاء المذكور عليها (فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ) أي السمّ (فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ) أي أسقط نفسه منه؛ لما يدلّ عليه قوله: (فَقَتَلَ نَفْسَهُ) على أنه تعمّد ذلك، وَإلا فمجرّد قوله: "تردَّى" لا يدلّ على التعمّد، قاله في "الفتح" (٤).


(١) "المفهم" ١/ ٣١١.
(٢) شرح السنديّ ٤/ ٦٦.
(٣) "القاموس" ص ١٠١٣.
(٤) "فتح" ١٠/ ٢٥٩.