والحاصل أن المكسور اسم للمخروص، والمفتوح مصدر بمعنى التخمين، لكن لو أريد به المفعول، كالخلق بمعنى المخلوق لكان وجيهًا.
هذا كله إن جُعلت الباء في "بخرصها" للمقابلة، كما هو المتبادر الشائع، والمعنى: أنها تباع بقدر المخروص، وأما إذا كانت للسببيّة، فالخرص يكون مصدرًا بمعنى التخمين، أفاده السنديّ (١)، والله تعالى أعلم.
ومعنى الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - رخّص العرايا أن يُباع ثمرها بعد أن يُخرَص، ويُعرَف قدره بقدر ذلك من التمر، كما تقدّم البحث فيه مستوفًى.
قال ابن المنذر رحمهُ اللهُ: ادّعى الكوفيون أن بيع العرايا منسوخ بنهيه - صلى الله عليه وسلم -، عن بيع الثمر بالتمر، وهذا مردود؛ لأن الذي رَوَى النهي عن بيع الثمر بالتمر، هو الذي رَوَى الرخصة في العرايا، فأثبت النهي والرخصة معًا.
ورواية سالم المذكورة في الباب الماضي، تدل على أن الرخصة في بيع العرايا، وقعت بعد النهي عن بيع الثمر بالتمر، ولفظه عن ابن عمر، مرفوعًا:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تبتاعوا الثمر حتّى يبدو صلاحه، ولا تبتاعوا الثمر بالتمر"، وقال سالم:"أخبرني عبد الله، عن زيد بن ثابت، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رخّص بعد ذلك في بيع العرية"، وهذا هو الذي يقتضيه لفظ الرخصة، فإنها تكون بعد المنع، وكذلك بقية الأحاديث، التي وقع فيها استثناء العرايا، بعد ذكر بيع الثمر بالتمر، وقد تقدم إيضاح ذلك كلّه، مطوّلًا، فلا تنس نصيبك، والله تعالى وليّ التوفيق.
(فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) متعلّق بـ "رخّص"(أَوْ فِي خَمْسَةِ؟) بالكسر من غير تنوين؛ لنيّة لفظ المضاف إليه؛ أي: أو في خمسة أوسق، و"أو" هنا للشكّ، كما بيّنه بقوله:(يَشُكُّ دَاوُدُ) يعني أن داود بن الحصين شكّ، هل قال أبو سفيان:"فيما دون خمسة أوسق، أو قال: في خمسة أوسق"؟ وقوله:(قَالَ: خَمْسَةٌ أَوْ دُونَ خَمْسَةٍ) تفسير لشك داود؛ أي: قال أبو سفيان: هي خمسة، أو دون خمسة.
و"الأوسق": جمع وَسْق، بفتح، فسكون، ويُجمع على وُسُوق أيضًا،