للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويقال: ائتبرتُ؛ إذا سألت غيرك أن يأبُرَ لك نخلك، أو زرعك، قال الشاعر [من الرمل]:

وَليَ الأصل الذي في مثله … يُصلِح الآبِرُ زَرْعَ المؤتَبر

هذا إِبَار ثمر النخل، وإبارُ كل ثمر بحسب ما جرت العادة بإنه إذا فُعل به ثبت ثمره، وانعقد، ثم قد يعبَّر به عن ظهور الثمرة وعن انعقادها، وإن لم يُفْعَل فيها شيء، ومن هنا اختلف أصحابنا في إبار الزرع، هل هو ظهوره على الأرض، أو إفراكه؟ (١). انتهى كلام القرطبيّ رحمهُ اللهُ (٢).

(فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ) الذي أبرها، قال في "الفتح": قد استُدِلّ بمنطوقه، على أن من باع نخلًا، وعليها ثمرة مؤبرة، لم تدخل الثمرة في البيع، بل تستمرّ على ملك البائع، وبمفهومه على أنها، إذا كانت غير مؤبَّرة، تدخل في البيع، وتكون للمشتري، وبذلك قال جمهور العلماء، وخالفهم الأوزاعيّ، وأبو حنيفة، فقالا: تكون للبائع قبل التأبير وبعده، وعكس ابن أبي ليلى، فقال: تكون للمشتري مطلقًا، وهذا كله عند إطلاق بيع النخل، من غير تعرّض للثمرة، فإن شرطها المشتري، بأن قال: اشتريت النخل بثمرتها، كانت للمشتري، وإن شرطها البائع لنفسه قبل التأبير، كانت له، وخالف مالك، فقال: لا يجوز شرطها للبائع.

فالحاصل أنه يستفاد من منطوقه حكمان، ومن مفهومه حكمان:

أحدهما: بمفهوم الشرط، والآخر بمفهوم الاستثناء.

[تنبيه]: لا يشترط في التأبير أن يؤبّره أحدٌ، بل لو تأبر بنفسه لم يختلف الحكم، عند جميع القائلين به. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ بعد ذكر معنى التأبير، ما نصّه: وإذا تقرَّر هذا فظاهر هذا الحديث يقتضي بلفظه: أن الثمرة المأبورة لا تدخل مع أصولها إذا بيعت الأصول إلا بالشرط، ويقتضي دليل خطابه: أن غير المأبورة داخلة في البيع، وهو مذهب مالك، والشافعيّ، والليث، وذهب أبو حنيفة: إلى أن الثمرة للبائع


(١) أي اشتداده وقوّته.
(٢) "المفهم" ٤/ ٣٩٧ - ٣٩٨.
(٣) ٥/ ٦٨٢.