للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قبل الإبار وبعده، وقال ابن أبي ليلى: الثمرة للمشتري قبل الإبار وبعده، وهذا القول مخالف للنص الصحيح، فلا يلتفت إليه، وأما أبو حنيفة فالخلاف معه مبنيّ على القول بدليل الخطاب، فهو ينفيه، وخصمه يثبته، والقول بدليل الخطاب في مثل هذا ظاهر؛ لأنه لو كان حكم غير المؤبَّر حكم المؤبَّر لكان تقييده بالشرط لغوًا لا فائدة له، فإن قيل: فائدته التنبيه بالأعلى على الأدنى، قيل له: ليس هذا بصحيح لغة ولا عرفًا، ومن جعل هذا بمنزلة قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣]، تعيّن أن يقال لفهمه: أُفّ، وتُفّ. انتهى (١).

(إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ") المراد بالمبتاع المشتري، بقرينة الإشارة إلى البائع، بقوله: "من ابتاع"، وقد استُدِلّ بهذا الإطلاق، على أنه يصح اشتراط بعض الثمرة، كما يصح اشتراط جميعها، وكأنه قال: إلا أن يشترط المبتاع شيئًا من ذلك، وهذه هي النكتة في حذف المفعول، وانفرد ابن القاسم، فقال: لا يجوز له شرط بعضها، قاله في "الفتح" (٢).

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: وقوله: "إلا أن يشترطه المبتاع" يعني أن الثمر المؤبَّر لا يدخل مع الأصول في البيع إلا بالشرط، وصحَّ اشتراطه؛ لأنه عينٌ موجودة، يحاط بها، أُمِن سقوطها غالبًا، بخلاف التي لم - تؤبَّر، إذ ليس سقوطها مأمونًا، فلم يتحقق لها وجود، فلا يجوز للبائع اشتراطها، ولا استثناؤها، لأنها كالجنين. هذا هو المشهور عندنا - يعني المالكيّة - وقيل: يجوز استثناؤها، وهو قول الشافعيّ، وخُرِّج هذا الخلاف على الخلاف في المسمى، هل هو مبقى على ملك البائع، أو هو مشترى من المشتري؟

[فرع]: لو اشترى النخل وبقي الثمر للبائع؛ جاز لمشتري الأصل شراء الثمرة. قبل طيبها على مشهور قول مالك. ويرى لها حكم التبعية؛ وإن أفردت بالعقد لضرورة تخليص الرقاب. وعنه في رواية: أنه لا يجوز. وبذلك قال الشافعيّ، والثوريّ، وأهل الظاهر، وفقهاء الحديث، وهذا هو الأظهر من أحاديث النهي عن بيع الثمار قبل بدوِّ صلاحها. انتهى كلام


(١) "المفهم" ٤/ ٣٩٧ - ٣٩٨.
(٢) "الفتح" ٥/ ٦٨٢.