رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم، يَغرِس غَرْسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة".
وأما الحديث الوارد في الذمّ وهو ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه" من حديث أبي أمامة الباهليّ - رضي الله عنه -، قال - ورأى سِكَّة، وشيئًا من آلة الحرث - فقال: سمعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، يقول:"لا يدخل هذا بيتَ قوم، إلا أدخله الله الذُّلُّ"، وفي رواية أبي نعيم في "المستخرج": "إلا أدخلوا على أنفسهم ذُلًّا، لا يَخرُج عنهم إلى يوم القيامة".
فمحمول على ما إذا شغله ذلك عن الجهاد في سبيل الله تعالى، والقيام بالواجبات، ولذلك قال الإمام البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في ترجمته لهذا الحديث - بعد ذكر "باب فضل الزرع والغرس" - ما نصّه:"باب ما يُحذَر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع، أو مجاوزة الحدّ الذي أُمر به". انتهى.
٣ - (ومنها): الحثّ على الإحسان بمنح الأرض لمن يحتاج إلى زراعتها، وقد عَمِل بهذا الصحابة - رضي الله عنهم -، كما ترجم البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "صحيحه" بقوله: "باب ما كان من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يُواسي بعضهم بعضًا في الزراعة والثمر"، ثم أورد حديث رافع بن خّديج - رضي الله عنه - من طريق أبي النجاشيّ، عن رافع، عن عمه ظهير بن رافع - رضي الله عنه - الآتي قريبًا - إن شاء الله تعالى -.
٤ - (ومنها): حرص الشارع على الحثّ على التراحم، والتعاطف، وعدم طلب المقابل على الإحسان، والترغيب إلى ما فيه جلب المودّة والمحبّة، والترهيب عمّا يورث الشحناء، والبغضاء، والحقد، والحسد؛ فإن هذا هو سبب النهي عن المزارعة، كما بُيّن ذلك في بعض طرق حديث رافع - رضي الله عنه -، كما سيأتي للمصنّف عن حنظلة بن قيس الأنصاري، قال: سألت رافع بن خديج، عن كراء الأرض بالذهب والورق؟ فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، على الْمَاذْيَانَات، وأَقْبَال الجداول، وأشياء من الزرع، فيَهْلِك هذا، ويَسلَم هذا، وَيَسْلَم هذا، ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم، مضمون، فلا بأس به.
٥ - (ومنها): ما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من كمال إيمانهم، وتقديمهم أمر الشارع على هوى أنفسهم، وثقتهم بأن كلّ الخير مضمون فيما أمر الله - سبحانه وتعالى - به،