قال النوويّ: رحمه الله: معنى هذه الألفاظ أنهم كانوا يدفعون الأرض إلى من يزرعها ببذر من عنده، على أن يكون لمالك الأرض ما يَنْبُت على الماذيانات، وأقبال الجداول، أو هذه القطعة، والباقي للعامل، فنُهُوا عن ذلك؛ لما فيه من الغرر، فربما هلك هذا، دون ذاك، وعكسه. انتهى (١).
(فَيَهْلِكُ هَذَا) النوع (وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَهْلِكُ هَذَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاء إِلَّا هَذَا، فَلِذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ) بالبناء للمفعول؛ أي: نُهي عنه، وهذا الحديث حديث مفسَّر، قد أوضح سبب النهي، فهو صريح في أن النهي لم يكن عامًّا لكلّ أنواع المزارعة، وإنما كان مخصوصًا بهذه الصور، وما شابهها، مما يُشترط فيها الشروط الفاسدة، فتفسد المزارعة؛ للضرر اللاحق لأحد الجانبين، والله تعالى أعلم.
(فَأَمَّا شَيءٌ مَعْلُومٌ) أي: فأما إذا كان شيءٌ معلوم المقدار؛ أي: ليس مجهولًا (مَضْمُونٌ) أي: يلزم ضمانه لمن شُرط، وذلك كان يكون الأجر دنانير، أو دراهم مسماة، يضمنها المستأجر لصاحب الأرض أجرة على أرضه (فَلَا بَأَسَ بِهِ) أي: فلا حرج في ذلك؛ لأنه لا يؤدّي إلى غرر، ولا يلحقه ضرر.
وقال في "الفتح" عند قوله: "فقال رافع: ليس بها بأس بالدينار والدرهم"، ما نصّه: يَحْتَمِل أن يكون ذلك قاله رافع باجتهاده، ويَحْتَمِل أن يكون عَلِمَ ذلك بطريق التنصيص على جوازه، أو عَلِم أن النهي عن كراء الأرض ليس على إطلاقه، بل بما إذا كان بشيء مجهول، ونحو ذلك، فاستَنْبَط من ذلك جواز الكراء بالذهب والفضة، ويُرَجِّح كونه مرفوعًا ما أخرجه أبو داود، والنسائيّ بإسناد صحيح، من طريق سعيد بن المسيِّب، عن رافع بن خَدِيج، قال:"نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة، والمزابنة، وقال: إنما يَزْرَع ثلاثة: رجلٌ له أرض، ورجلٌ مُنِحَ أرضًا، ورجلٌ اكتَرَى أرضًا بذهب، أو فضة"، لكن بَيَّن النسائيّ من وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة، والمزابنة، وأن بقيته مُدْرَجٌ من كلام سعيد بن المسيِّب، وقد رواه مالك في