للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"الموطإ"، والشافعيّ عنه، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيِّب. انتهى (١).

وقال البخاريّ في "صحيحه": وقال الليث بن سعد رحمه الله: وكان الذي نُهي من ذلك ما لو نظر فيه ذَوُو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه؛ لِمَا فيه من المخاطرة. انتهى.

وقال في "الفتح" معلّقًا على كلام الليث، ما نصّه: وقوله: "المخاطرة"؛ أي: الإشراف على الهلاك، وكلام الليث هذا موافق لما عليه الجمهور، من حمل النهي عن كراء الأرض على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة، لا عن كرائها مطلقًا، حتى بالذهب والفضة، ثم اختَلَف الجمهور في جواز كرائها بجزء مما يخرج منها، فمَن قال بالجواز حَمَل أحاديث النهي على التنزيه، وعليه يدل قول ابن عباس بحيث قال: "ولكن أراد أن يَرفُق بعضهم ببعض"، ومن لم يُجز إجارتها بجزء مما يَخرُج منها قال: النهي عن كرائها محمول على ما إذا اشتَرَط صاحب الأرض ناحية منها، أو شَرَط ما يَنبُتُ على النهر لصاحب الأرض؛ لِمَا في كل ذلك من الغرر والجهالة.

وقال مالك: النهي محمول على ما إذا وقع كراؤها بالطعام أو التمر؛ لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام، قال ابن المنذر: ينبغي أن يُحْمَل ما قاله مالك على ما إذا كان الْمُكْرَى به من الطعام جزءًا مما يَخْرُج منها، فأما إذا اكتراها بطعام معلوم في ذمة المكتري، أو بطعام حاضر يَقبِضه المالك، فلا مانع من الجواز، والله أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن جمهور العلماء على جواز المزارعة، إذا خلت من الشروط الفاسدة، كما بُيِّنت في هذا الحديث، وأما الأحاديث الدالّة على النهي عن المزارعة مطلقًا، فمحمولة على هذا النوع، أو تكون محمولة على الندب والاستحباب، والحثّ على الخير، كما دلّ عليه حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - المذكور، وبهذا يجتمع ما تعارض ظاهرًا من أحاديث هذه المزارعة، فتبصّر، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.


(١) "الفتح" ٦/ ١٤٨ "كتاب الحرث والمزارعة" رقم (٢٣٤٦ - ٢٣٤٧).
(٢) "الفتح" ٦/ ١٤٨ - ١٤٩ "كتاب الحرث والمزارعة" رقم (٢٣٤٦ - ٢٣٤٧).