كانت قرى كثيرة؛ فمنها ما فُتح عنوة، ومنها ما فُتح صلحًا؛ كذلك رواه مالك ومن تابعه، وهو قول ابن عقبة، ولو سُلِّم: أنه فتحها عنوة فلا نُسلّم أن السيد يجوز له أن يعامل عبده بالرِّبا، ولا أن يعاقده عقدًا فاسدًا بغرر أو مجهول، وقد نصَّ في هذه: أنه عاقدهم عليها، وشرط عليهم، وشرطوا عليه، ولا يجوز أن يُحْمَل ذلك على أنه انتزاع مال من أيديهم، لا لغةً، ولا عرفًا، فبطل ما قالوه.
وأما محلها: فمنعها داود في كل شيء إلا في النخل، والشافعي إلا في النخل، والكرم. وأجازها مالك في سائر الشجر؛ إذا احتاج للمساقاة، والمشهور عندنا - أي: المالكيّة -: منعها في الزرع إلا إذا عجز عنه أهله.
فأمَّا داود: فقصرها على محل ورودها، وأما الشافعيّ: فبناه على أنها رخصة، ولا تتعدى الرخص، لكنه قد ألحق بالنخيل الكرم، مع أنه ليس فيه حديث صحيح، فإن كان ثبتٌ عنده به نقل فقد صح له المشي على ذلك الأصل، وإن لم يثبت ذلك فليزمه مذهب داود، والإلحاق كما ذهب إليه مالك، لأن الشجر كله في معنى النخيل، من حيث إنه يحتاج إلى علاج، وعمل، وسقي إلى انتهاء الثمرة، وهي أصول قائمة ثابتة يدوم أمرها، وتدوم الحاجة إلى القيام عليها، ومن هنا فارقت الزرع القائم، فإن ألغينا هذا القيد؛ جازت فيه المساقاة على ما تقدَّم، والله تعالى أعلم.
وأما وقت انعقادها: فعند الشافعيّ ما لم تظهر الثمرة؛ لأنها إذا ظهرت فقد ملكها رب النخل، فإذا دفع جزءها في مقابلة العمل؛ فقد باع الثمرة قبل بدوِّ صلاحها، وعند مالك: ما لم تطب، وإن كانت قد ظهرت، وعنه في ذلك بعد الطيب قولان، وأصلها في ذلك: أن القراض، والمساقاة، عقدان مستثنيان من الإجارة المجهولة؛ للحاجة إلى ذلك، وللرفق الحاصل لرب المال والعامل؛ إذ ليس كل من له مال يحسن القيام عليه ولا العمل فيه، ثم من الناس من يحسن العمل ولا مال له، فاقتضت حكمة الشرع أن يرفق بكل واحد منهما على ما تيسّر غالبًا، ولمّا ظهر له ذلك طرد المعنى، فحيث دعت الحاجة إلى ذلك أعملها، وعلى هذا فتجوز المساقاة في النخل بعد الطيب، وفي الزرع