للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سبب يؤكل مال الرجل يحصل له الثواب، قال الطيبيّ: نكّر "مسلمًا"، وأوقعه في سياق النفي، وزاد "من" الاستغراقيّة، وخصّ الغرس والزرع، وعمّ الحيوان؛ ليدلّ على سبيل الكناية الإيمائيّة على أن أيّ مسلم، سواء كان حرًّا، أو عبدًا، مطيعًا، أو عاصيًا يعمل أيّ عَمَل من المباح ينتفع بما عمله أي حيوان كان يرجع نفعه إليه، ويثاب عليه.

[حكاية]: رُوي أن رجلًا مرّ بأبي الدرداء - رحمه الله -، وهو يغرس جَوزةً، فقال: أتغرس هذه، وأنت شيخ كبير تموت غدًا، أو بعد غد، وهي لا تُطعم إلا في كذا وكذا عامًا؟ فقال له: وما عليّ أن يكون لي أجرها، ويأكل منها غيري.

[حكاية أخرى]: ذكر أبو الوفاء البغداديّ في "كتاب المقامات" أنه مرّ أنوشروان على شيخ يغرس شجرة الزيتون، فقال له: ليس هذا أوان غرسك شجرة الزيتون، وهو شجر بطيء الإثمار، وأنت شيخ هَرِمٌ.

فأجاب: غَرَس من قبلنا وأكلنا، ونغرس ليأكل من بعدنا، فقال أنوشروان: "زه"؛ أي: أحسنت، وكان إذا قال: "زه" يُعطى من قيلت له أربعة آلاف درهم، فقال: أيها الملك كيف تتعجب من غراسي، واستبطاء ثمره؟ فما أسرع ما أثمرت، فقال: "زه"، فزيد أربعة آلاف أخرى، فقال: أيها الملك كلّ شجرة تثمر في العام مرّةً، وقد أثمرت شجرتي في ساعة مرّتين، فقال: "زه"، فزيد مثلها، ومضى أنوشروان، وقال: إن وقفنا عليه لم يكفه ما في خزائننا. ذكره الطيبيّ - رحمه الله - (١).

(يَغْرِسُ غَرْسًا) بفتح أوله، وكسر ثالثه، يقال: غَرَسْتُ الشجرةَ غَرْسًا، من باب ضَرَب، فالشجر مغروسٌ، ويُطلق عليه أيضًا: غَرْسٌ، وغِرَاسٌ بالكسر، فِعالٌ بمعنى مفعول، مثلُ كتاب، وبساط، ومهادٍ، بمعنى مكتوب، ومبسوطٍ، وممهود، وهذا زمنُ الْغِرَاس، كما يقال: زمن الْحِصَاد بالكسر، قاله الفيّوميّ (٢).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٥٤٨.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٤٤٥.