للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الربانية من عمارة هذه الدار، لا ينافي العبادة، ولا طريق الزهد، ولا التوكل.

قال: وفيه التحريض على تعلم السنّة؛؛ ليعلم المرء ما له من الخير، فيرغبَ فيه؛ لأن مثل هذا الفضل المذكور في الغرس لا يُدْرَك إلا من طريق السنّة.

قال: وفيه إشارة إلى أن المرء قد يَصِل إليه من الشر ما لم يَعْمَل به، ولا قصد إليه، فيحذر من ذلك؛ لأنه لما جاز حصول هذا الخير بهذا الطريق، جاز حصول مقابله. انتهى كلام ابن أبي جمرة - رحمه الله - ملخصًا، نقله في "الفتح" (١).

١٠ - (ومنها): أن المهلَّب استَنْبَط منه أن من زرع في أرض غيره كان الزرع للزارع، وعليه لرب الأرض أجرة مثلها، قال الحافظ: وفي أخذ هذا الحكم من هذا الحديث بُعْدٌ انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في أفضل المكاسب:

قال النوويّ - رحمه الله -: قد اختلف العلماء في أطيب المكاسب، وأفضلها، فقيل: التجارة، وقيل: الصَّنعة باليد، وقيل: الزرا عة، وهو الصحيح. انتهى.

وقال في "شرح المهذب": قال الماورديّ: أصول المكاسب الزراعة، والتجارة، والصَّنعة، وأيها أطيب؟ فيه ثلاثة مذاهب للناس: أشبهها بمذهب الشافعيّ أن التجارة أطيب، قال: والأشبه عندي أن الزراعة أطيب؛ لأنها أقرب إلى التوكل، وذكر الشاشيّ، وصاحب "البيان"، وآخرون نحو ما ذكره الماورديّ وأخذه عنه.

قال النوويّ: في "صحيح البخاريّ" عن المقدام بن معديكرب - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيّ الله داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده"، فالصواب ما نصّ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو عمل اليد، فإن كان زرعًا، فهو أطيب المكاسب وأفضلها؛ لأنه عمل يده، ولأن فيه توكلًا كما ذكره الماورديّ، وقال: لأن فيه


(١) راجع: "الفتح" ١٣/ ٥٥٧ "كتاب الأدب" رقم (٦٠١٢).
(٢) "الفتح" ٦/ ١١٢.