للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نفعًا عامًّا للمسلمين، والدواب، ولأنه لا بُدّ في العادة أن يؤكل منه بغير عوض، فيحصل له أجره، وإن لم يكن ممن يعمل بيده، بل يعمل له غلمانه، وأجراؤه فاكتسابه بالزراعة أفضل؛ لِمَا ذكرناه. ثم أورد الأحاديث التي أوردها مسلم في هذا الباب (١).

وقال في "الفتح": قال الماورديّ: أصول المكاسب: الزراعة، والتجارة، والصَّنعة، والأشبه بمذهب الشافعيّ أن أطيبها التجارة، قال: والأرجح عندي أن أطيبها الزراعة؛ لأنها أقرب إلى التوكل.

وتعقبه النوويّ بحديث المقدام الذي تقدّم، وأن الصواب أن أطيب الكسب ما كان بعمل اليد، قال: فإن كان زرّاعًا فهو أطيب المكاسب؛ لِمَا يشتمل عليه من كونه عمل اليد، ولمَا فيه من التوكل، ولما فيه من النفع العامّ للآدميّ وللدواب، ولأنه لا بدّ فيه في العادة أن يؤكل منه بغير عوض.

قال الحافظ: وفوق ذلك من عمل اليد ما يُكتسب من أموال الكفار بالجهاد، وهو مكسب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وهو أشرف المكاسب؛ لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى، وخِذلان كلمة أعدائه، والنفع الأخرويّ.

قال: ومن لم يعمل بيده فالزراعة في حقه أفضل؛ لما ذكرنا.

قال الحافظ: وهو مبنيّ على ما بَحث فيه من النفع المتعدي، ولم ينحصر النفع المتعدي في الزراعة، بل كل ما يُعمل باليد فنفعه متعدّ؛ لما فيه من تهيئة أسباب ما يحتاج الناس إليه، والحقّ أن ذلك مختلف المراتب، وقد يَختلف باختلاف الأحوال، والأشخاص، والعلم عند الله تعالى.

قال ابن المنذر - رحمه الله -: إنما يَفْضُل عملُ اليد سائرَ المكاسب إذا نصح العامل، كما جاء مصرَّحًا به في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

قال الحافظ: ومن شرطه أن لا يعتقد أن الرزق من الكسب، بل من الله تعالى بهذه الواسطة، ومِن فَضْل العمل باليد الشغلُ بالأمر المباح عن البطالة واللهو، وكسر النفس بذلك، والتعفف عن ذِلَّة السؤال، والحاجة إلى الغير.


(١) راجع: "المجموع شرح المهذّب" ٩/ ٥٤.