للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإن كان عنده أنه يكفر بالحلف يكفر فيهما؛ لأنه رضي بالكفر، حيث أقدم على الفعل. انتهى كلام ابن دقيق العيد (١).

قال في "الفتح": وقال بعض الشافعيّة: ظاهر الحديث أنه يُحْكَم عليه بالكفر، إذا كان كاذبًا، والتحقيق التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذُكر كفَرَ، وإن قَصَدَ حقيقة التعليق، فيُنظر، فإن كان أراد أن يكون متّصفًا بذلك كفَرَ؛ لأن إرادة الكفر كفرٌ، وإن أراد البعد عن ذلك لم يَكْفُر، لكن هل يَحْرُم عليه ذلك، أو يُكْرَه تنزيهًا؟ الثاني هو المشهور.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن التحريم هو الحقّ؛ لظاهر النصّ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الكفّارة لمن حلف بملّة غير الإسلام، أو نحو ذلك:

قال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: اختُلف فيمن قال: أكفر بالله، ونحو ذلك، إن فعلت، ثم فعل، فقال ابن عبّاس، وأبو هريرة، وعطاء، وقتادة، وجمهور فقهاء الأمصار: لا كفّارة عليه، ولا يكون كافرًا، إلا إن أضمر ذلك بقلبه.

وقال الأوزاعيّ، والثوريّ، والحنفيّة، وأحمد، وإسحاق: هو يمين، وعليه الكفّارة. قال ابن المنذر: والأول أصحّ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف باللات والعزّى، فليقل: لا إله إلا الله"، ولم يذكر كفّارة.

زاد غيره: ولذا قال: "من حلف بملّة غير الإسلام، فهو كما قال"، فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحدٌ عليه، ذكره في "الفتح" (٢).

وقال ابن قُدامة رحمه الله تعالى - بعد ذكر الروايتين عن أحمد -: والرواية الثانية - يعني: القول بعدم الكفّارة - أصحّ - إن شاء الله تعالى -؛ فإن الوجوب من الشارع، ولم يَرِد في هذه اليمين نصٌّ، ولا هي في قياس المنصوص؛ فإن الكفّارة إنما وجبت في الحلف باسم الله تعالى؛ تعظيمًا


(١) "إحكام الأحكام" ٤/ ٤٠٤ - ٤٠٨ بنسخة الحاشية "العدّة".
(٢) "فتح" ١٣/ ٣٨٧.