للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٨ - (ومنها): تحريم الحَلِف على يمين صبرٍ فاجرة، وهي التي فيها الإلزام عند الحاكم، كما سيأتي بيانها قريبًا، فمن فعل ذلك لقي الله تعالى، وهو عليه غضبان، كما في حديث آخر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

(المسألة الخامسة): في البحث المتعلّق بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن حَلَف على يمين … إلخ":

قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: الحلف بالشيء حقيقةً هو القسم به، وإدخال بعض حروف القسم عليه، كقوله: والله، والرحمن، وقد يُطلق على التعليق بالشيء يمين، كقول الفقهاء: مَن حلف بالطلاق على كذا، فالمراد تعليق الطلاق، وهذا مجازٌ، وكأن سببه مشابهة هذا التعليق باليمين في اقتضاء الحثّ والمنع.

إذا ثَبَتَ هذا، فنقول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حَلَفَ على يمين بملّة غيرِ الإسلام" يَحْتَمِل أن يُراد به المعنى الأول، ويَحتمل أن يُراد به المعنى الثاني، والأقرب أن المراد الثاني؛ لأجل قوله: "كاذبًا متعمّدًا"، والكذب يدخل القضيّة الإخباريّة التي يقع مقتضاها تارةً، ولا يقع أخرى، وأما قولنا: والله، وما أشبهه، فليس الإخبار بها عن أمر خارجيّ، بل هي لإنشاء القسَم، فتكون صورة الحلف هنا على وجهين:

[أحدهما]: أن يتعلّق بالمستقبل، كقوله: إن فعل كذا، فهو يهوديّ، أو نصراني.

[والثاني]: يتعلّق بالماضي، مثل أن يقول: إن كان فعل كذا فهو يهوديّ، أو نصرانيّ. فأما الأول - وهو ما يتعلّق بالمستقبل - فلا تتعلّق به الكفّارة عند المالكيّة، والشافعيّة، وأما عند الحنفيّة ففيها الكفّارة، وقد يتعلّق الأولون بهذا الحديث؛ لكونه لم يَذكُر فيه كفّارةً، بل جعل المرتّب على كذبه قوله: "فهو كما قال".

وأما إن تعلّق بالماضي، فقد اختلف الحنفيّة فيه، فقيل: إنه لا يُكفّر اعتبارًا بالمستقبل، وقيل: يُكفّر؛ لأنه تنجيز معنى، فصار كما إذا قال: هو يهوديّ، وقال بعضهم: والصحيح أنه لا يُكَفّر فيهما، إن كان يعلم أنه يمين،