٤ - (ومنها): بيان مجانسة الجزاء الأخرويّ للجناية الدنيويّة، وأن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم؛ لأن نفسه ليست ملكًا له يتصرّف فيها كيف شاء، بل هي لله تعالى، لا يجوز أن تُعَامَل إلا بما شرع الله تعالى أن تُعَامَل به، فلا يجوز إلحاق الضرر بها، من التجويع، والتعطيش، وغير ذلك من إلحاق الأذى.
ومن هنا يتبيّن غلط كثير من المتعبّدين الذين يُلزمون أنفسهم التقشّف، والزهد الخارج عن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيصعد أحدهم على رأس شجرة تحتها بحر عميق، فيذكر الله تعالى طول ليله، ويرى ذلك أعونَ له على مجاهدة نفسه، وطرد النوم عنها؛ لأنها لاستشعارها أنها إذا غفلت سقطت في ذلك البحر، فغرقت فيه، تطرد عنها النوم خوفًا من ذلك، وهذا هو عين الغلوّ الذي ورد النهي عنه.
فقد أخرج الشيخان من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد، فرأى حَبْلًا ممدودًا بين ساريتين، فقال:"ما هذا الحبل؟ "، فقالوا: لزينب، تصلي، فإذا فَتَرَت تعلقت به، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "حُلّوه، ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فَتَر فليقعد".
والحاصل أن إلحاق الضرر بالنفس جهل عظيم، دخل على جهلة العبّاد، فأدخل عليهم فسادًا عريضًا، ومن أغرب ما يُرى وُشممع أن مثل هذا يُكتب في كتب الرقائق، كأنه من المناقب التي يُفتخر بها، وُيتعزز بها؛ لكونها مجاهدةً للنفس التي أمر الشرع بها، مع أنها من المثالب التي هي من عمل الشيطان، دعا إليها هؤلاء الجهلة، فأطاعوه، واتّبعوه، فلا حول ولا قوّة إلا بالله العزيز الحكيم.
٥ - (ومنها): منع النذر فيما لا يملك الإنسان، وهل يجب عليه فيه كفّارة يمين؟ فقال الجمهور: لا، وأوجبها عليه أحمد، وسيأتي تحقيق ذلك في موضعه - إن شاء الله تعالى -.
٦ - (ومنها): تحريم لعنِ المؤمن، وأن إثمه كإثم قتله.
٧ - (ومنها): تحريم دعوى ما ليس له من حقوق الناس، فمن فعل ذلك؛ ليكثر بذلك ماله عاقبه الله تعالى بنقيض قصده، فيُتلف الله ماله، ويقلّله.