للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أي وفاء نذر (فِيمَا لَا يَمْلِكُ) هذه الجملة تقدّم شرحها في الحديث الماضي.

(وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ) "اللعنُ": الإبعاد عن الرحمة، وقطعه عنها، والقتل: هو الموت والقطع عن التصرّفات.

قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: معناه أنه مثله في الإثم، ووجهه أن من قال لمؤمن: لعنه الله، فقد تضمّن قوله ذلك إبعاده عن رحمة الله تعالى التي رَحِمَ بها المسلمين، وإخراجه من جملتهم في أحكام الدنيا والآخرة، ومن كان كذلك فقد صار بمنزلة المفقود من المسلمين بعد أن كان موجودًا فيهم؛ إذ لم يَنتفع بما انتفع به المسلمون، ولا انتفعوا به، فأشبه ذلك قتله، وعلى هذا، فيكون إثم اللاعن كإثم القاتل، غير أن القاتل أدخل في الإثم؛ لأنه أفقد المقتول حسًّا ومعنًى، واللاعن أفقده معنًى، فإثمه أخفّ منه، لكنهما اشتركا في مُطلق الإثم، فصَدَق عليه أنه مثله. انتهى كلام القرطبيّ (١).

وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: قوله: "ولعنُ المؤمن كقتله" فيه سؤال، وهو أن يقال: إما أن يكون كقتله في أحكام الدنيا، أو في أحكام الآخرة، لا يمكن المراد أحكام الدنيا؛ لأن قتله يوجب القصاص، ولعنه لا يوجب ذلك.

وأما الثاني: فإما أن يراد بها التساوي في الإثم، أو في العقاب، وكلاهما مشكل الآن، والإثم يتفاوت بتفاوت مفسدة الفعل، وليس إذهاب الروح في المفسدة كمفسدة الأذى باللعنة، وكذلك العقاب يتفاوت بحسب تفاوت الجرائم، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)} [الزلزلة: ٧ - ٨]، وذلك دليل على التفاوت في العقاب والثواب بحسب التفاوت في المصالح والمفاسد، فإن الخيرات مصالح، والمفاسد شُرور.

قال القاضي عياض: قال الإمام - يعني المازريّ -: الظاهر من الحديث تشبيهه في الإثم، وهو تشبيه واقعٌ؛ لأن اللعنة قطع عن الرحمة، والموت قطع عن التصرّف.


(١) "المفهم" ١/ ٣١٤ - ٣١٥.