للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القاضي: وقيل: لعنته تقتضي قصده بإخراجه من جماعة المسلمين، ومنعهم منافعه، وتكثيرَ عددهم به كما لو قتله.

وقيل: لعنته تقتضي قطع منافعه الأخرويّة عنه، وبُعْدَهُ منها بإجابة لعنته، فهو كمن قُتل في الدنيا، وقُطعت عنه منافعه فيها.

وقيل: الظاهر من الحديث تشبيهه في الإثم، وكذلك ما حكاه من أن معناه استواؤهما في التحريم.

قال ابن دقيق العيد: وأقول: هذا يحتاج إلى تلخيص ونظر، أما ما حكاه عن الإمام (١): من أن معناه استواؤهما في التحريم، فهذا يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يقع التشبيه والاستواء في أصل التحريم والإثم.

والثاني: أن يقع في مقدار الإثم.

فأما الأول: فلا ينبغي أن يُحمَل عليه؛ لأن كلّ معصية قَلَّت أو عظمت فهي مشابهةٌ، أو مستوية مع القتل في أصل التحريم، فلا يبقى في الحديث كبير فائدة، مع أن المفهوم منه تعظيم أمر اللعنة بتشبيهها بالقتل.

وأما الثاني: فقد بيّنّا ما فيه من الإشكال، وهو التفاوت في المفسدتين بين إزهاق الروح وإتلافها، وبين الأذى باللعنة.

وأما ما حكاه عن الإمام من قوله: إن اللعنة قطع عن الرحمة، والموت قطع عن التصرّف، فالكلام عليه أن نقول: اللعنة تُطلق على نفس الإبعاد الذي هو فعل الله تعالى، وهذا الذي يقع فيه التشبيه، والثاني: أن تطلق اللعنة على فعل اللاعن، وهو طلبه لذلك الإبعاد بقوله: لعنه الله مثلًا، أو بوصفه للشخص بذلك الإبعاد بقوله: فلانٌ ملعون، وهذا ليس بقطع عن الرحمة بنفسه ما لم تتصل به الإجابة، فيكون حينئذ تسبّبًا إلى قطع التصرّف، ويكون نظيره التسبّب إلى القتل، غير أنهما يفترقان في أن التسبّب إلى القتل بمباشرة الْحَزِّ وغيره من مقدّمات القتل مُفْضٍ إلى القتل بمطّرد العادة، فلو كان مباشرة اللعن مفضيًا إلى الإبعاد الذي هو اللعن دائمًا لاستوى اللعن مع مباشرة مقدّمات القتل، أو زاد عليه.


(١) يعني به: المازريّ.