وبهذا يتبيّن لك الإيراد على ما حكاه القاضي من أن لعنته له تقتضي قصده إخراجه عن جماعة المسلمين كما لو قتله، فإن قصده إخراجه لا يستلزم إخراجه، كما تستلزم مقدّمات القتل، وكذلك أيضًا من حكاه من أن لعنته تقتضي قطع منافعه الأخرويّة عنه بإجابة دعوته إنما يحصل ذلك بإجابة الدعوة، وقد لا تجاب في كثير من الأوقات، فلا يحصل انقطاعه عن منافعه كما يحصل بقتله، ولا يستوي القصد إلى القطع بطلب الإجابة مع مباشرة مقدّمات القتل المفضية إليه في مطّرد العادة.
ويحتمل ما حكاه القاضي عن الإمام وغيره، أو بعضه، أن لا يكون تشبيهًا في حكم دنيويّ، ولا أُخرويّ، بل يكون تشبيهًا لأمر وجوديّ! بأمر وجوديّ كالقطع، والقطع مثلًا في بعض ما حكاه: أي قطعه عن الرحمة، أو عن المسلمين بقطع حياته، وفيه بَعْدَ ذلك نظر.
والذي يُمكن أن يقرَّر به ظاهر الحديث في استوائهما في الإثم أنا نقول: لا نُسلّم أن مفسدة اللعن مجرّد أذاه، بل فيها مع ذلك تعريضه لإجابة الدعاء فيه، بموافقة ساعةٍ، لا يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه، كما دل عليه الحديث من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أموالكم، ولا تدعوا على أولادكم، لا توافقوا ساعة … " الحديث، وإذا عرّضه باللعنة لذلك، ووقعت الإجابة، وإبعاده من رحمة الله تعالى، كان ذلك أعظم من قتله؛ لأن القتل تفويت الحياة الفانية قطعًا، والإبعاد من رحمة الله تعالى أعظم ضررًا بما لا يُحصى، وقد يكون أعظم الضررين على سبيل الاحتمال مساويًا، أو مقاربًا لأخفّهما على سبيل التحقيق، ومقادير المفاسد والمصالح، وأعدادهما أمر لا سبيل للبشر إلى الاطّلاع على حقائقه. انتهى كلام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الاستشكال الذي أوردوه في هذا الحديث مما يُستغرب مثله، فإذا قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لعنُ المؤمن كقتله"، فهل ينبغي أن يُستشكل، ويُتساءل فيه، فيقال: كيف يتساويان؟ هيهات هيهات، فإن مقادير