للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مع كثرتهم فيه التصريح بالسماع، وهذا مشعر بأنه كان لا يرى الرواية بالمعنى أصلًا (١).

(يَقُولُ: "مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ) استُدِلَّ به على أن شرط استحقاق صاحب المال دون غيره أن يجد ماله بعينه لم يتغير، ولم يتبدل، وإلا فإن تغيرت العين في ذاتها بالنقص مثلًا، أو في صفة من صفاتها فهي أسوة للغرماء، وأصرح منه رواية ابن أبي حسين، عن أبي بكر بن محمد بلفظ: "إذا وُجِدَ عنده المتاعُ، ولم يُفَرِّقه"، ووقع في رواية مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مرسلًا: "أيما رجل باع متاعًا، فأفلس الذي ابتاعه، ولم يقبض البائع من ثمنه شيئًا، فوجده بعينه، فهو أحق به"، فمفهومه أنه إذا قَبَضَ من ثمنه شيئًا كان أُسوة الغرماء، وبه صرح ابنُ شهاب فيما رواه عبد الرزاق، عن معمر، عنه، وهذا وإن كان مرسلًا، فقد وصله عبد الرزاق في "مصنفه" عن مالك، لكن المشهور عن مالك إرساله، وكذا عن الزهري، وقد وصله الزبيديّ، عن الزهري، أخرجه أبو داود، وابن خزيمة، وابن الجارود، ولابن أبي شيبة، عن عمر بن عبد العزيز أحدِ رواة هذا الحديث، قال: قَضَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أحقّ به من الغرماء، إلا أن يكون اقتضى من ماله شيئًا، فهو أسوة الغرماء، وإليه يشير اختيار البخاري؛ لاستشهاده بأثر عثمان - رضي الله عنه -، وهو ما علّقه البخاريّ عن ابن المسيِّب، قال: قضى عثمان من اقتضى من حقّه قبل أن يُفلس فهو له، ومن عَرَف متاعه بعينه فهو أحقّ به، (٢) وكذلك رواه عبد الرزاق، عن طاوس، وعطاء، صحيحًا، وبذلك قال جمهور من أخذ بعموم حديث الباب، إلا أن للشافعيّ قولًا هو الراجح في مذهبه؛ أن لا فرق بين تَغَيُّر السلعة، أو بقائها، ولا بين قبض بعض ثمنها، أو عدم قبض شيء منه


(١) "الفتح" ٦/ ٢٠٩.
(٢) وصله أبو عبيد في "كتاب الأموال"، والبيهقي بإسناد صحيح إلى سعيد، ولفظه: "أَفْلَس مولى لأم حبيبة، فاختصم فيه إلى عثمان، فقضى … "، فذكره، وقال فيه: "قبل أن يبين إفلاسه" بدل قوله: "قبل أن يفلس"، والباقي سواء. انتهى. "الفتح" ٦/ ٢٠٩.